(1)
تأتي الذكرى السادسة لوفاء الأحرار، وقد تخلدت في تاريخ المجد الإنساني حين سطرت المقاومة أسطورة لعمل مقاوم جريء، تميّز بالشجاعة والفروسية، والذكاء الثوري المستبصر بأساليب الحرب النفسية، ويمتلك القدرة على نزال الإرادات ومحصن بالوعي الكامل.
لذلك لن يكون غريبًا، إذا قلنا: ليس هناك ما يدعونا إلى إقناع الناس وشعبنا ببرنامج المقاومة، وذلك لسبب بسيط جدًّا، وهو أن الحاجة لذلك منتفية ابتداءً.
فشعبنا الفلسطيني الثائر ما يزيد على القرن قدم ولا يزال يقدم القوافل من الشهداء والجرحى والأسرى في سبيل قضيته العادلة، وإنّ المقاومة برنامجًا وقيمةً لم يسبق لها أن اهتز عرش الثقة بها مطلقًا؛ فبقيت متربعة في صدارة استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الدراسات المسحية المختلفة، إذ لم تنخفض نسبة تأييد ورضا المستطلعة آراؤهم عن 80%، والجميل أنه كلما اشتدت الأزمات في مواجهة الاحتلال ازدادت تلك النسبة.
وقد حاولت جهات جاهدة وأصوات نشاز مدفوعة الأجر أن تضع المقاومة في سياق الشك، أو مثار الجدل، لكن تلك الجهات سرعان ما تنكشف أمام الوعي الثوري، فيتعرى أهل تلك الدعاوى ويسقطون.
(2)
ولكن الذي يجب الوقوف عليه هو مدى قدرة الحركة الوطنية أن تتجسد فيها معاني المقاومة بكل مفرداتها، وصورها المشتقة، وأيقوناتها المتعددة، لأنه بقدر التمثّل والامتثال بقيمة المقاومة وتقويماتها السليمة المعتبرة يكون الحضور وتحديد المكانة في السياق الوطني العام، وإن كانت حركة حماس هي الأعلى تمثّلًا فيها قيمة المقاومة، غير أنها لم تتجاوز في أحسن أحوالها بعد نصف ما تحظى به المقاومة في نسبة التأييد الكلي.
ولذلك عند النظر إلى الفجوة بين حماس مثالًا للحالة الوطنية، ونسبة احتضانها أو تأييدها في الشارع الفلسطيني من جهة، والمقاومة وبرنامجها من جهة أخرى؛ نرى أن هذه الفجوة ليست كبيرة فحسب، بل كبيرة جدًّا، وأنها اتسعت _بكل أسف_ في مدة ممارسة الحركة للحكم.
(3)
ولما كنا في الزمان والمكان نفسيهما بالأرض الفلسطينية، وفيها أحضان هذا الشعب الأبي لمقاومته، يبقى سؤالان أكثر إلحاحًا على بساط البحث، لإجابة منطقية معيارية صادقة، وهما: لماذا هذه الهوة والاتساع المستمر؟، وكيف السبيل إلى جسر الهوة وتضييق الفجوة؟
وإن كان السؤالان منفصلين فإن الإجابة تتكثف في إطار واحد، ننصف فيه الحقيقة، وفي الوقت نفسه لا نتهم أنفسنا بغير علم ولا سلطان مبين.
لذا يصبح وضع معايير محددة موضوعية وذات صدقية عالية ضرورة واجبة، لنقوّم بها الرضا عن الأداء (الكيف)، ونقيس بها حجم الإنجاز (الكم)، وهذه النتائج الحقيقية يمكن البناء عليها واعتمادها في تدشين مسار تصحيحي سليم؛ فنزيد بذلك من جودة الأداء وحجم الإنجاز باطراد، وعليه يزداد بهذا الاطراد الرضا والاحتضان والقبول العام.
وعندئذ يكون الحديث مقبولًا عن الحوكمة على وفق معايير الحكم الرشيد، فتتعزز ثقافة المواطنة الصالحة بل الإنسان الصالح، وتكون دافعية العمل الطوعي لخدمة المجتمع أكثر أثرًا وأكبر تأثيرًا.
وأكثر من ذلك يجد أي تنظيم وطني الحاجة ماسة إلى بناء جيل يجمع بين المقاومة وضروراتها والدولة واحتياجاتها (رجال المقاومة والدولة).
(4)
وبذلك يمكن أن نخطو خطوات جادة في سبيل استعادة الحاضنة الشعبية، ومضاعفة الالتفاف الجماهيري حول حماس حركة رائدة في برنامج النضال الوطني الفلسطيني، وألا ينضب بهذا المسار معينها من تصدير نماذج وطنية تصنع الحياة الكريمة، كما صدرت وتصدر نماذج غاية في الروعة في صناعة الحياة النضالية الشجاعة.
وهذا المسار التصحيحي _إن صحت التسمية_ لا معنى له إن لم يعمل في السياق الوطني الكبير، وأن تستنفر كل المكنونات الوطنية لإنجاحه واستمراره، على أن تُحشد الطاقات وتجيش الإمكانات في خدمة المشروع الوطني، الذي يعني آمال الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وتقرير المصير.
وفي المقابل ذلك يوجب النأي عن روح الحزبية الضيقة، وعلى الحزب أن يُسخر كل إمكاناته في الخدمة الوطنية العامة، لاسيما ونحن نتحدث عن حاضنة شعبية، لأنّ الشعب هو الوكيل الحصري لمشروعه الوطني، وهو وحده الذي بمقدوره أن يحمي ثورته، ويمدها بكل أسباب الديمومة والبقاء حتى ينجز بها كل أهدافه الكبرى.