على الرغم من حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء حكومته ميشيل بارنييه وعدد من السياسيين، مباراة المنتخب الفرنسي بنظيره الإسرائيلي مساء الخميس الموافق 14 نوفمبر/ تشرين ثاني، إلا أن قلة من الفرنسيين حضروا المباراة، ولم يكن سبب العزوف بعيدا عن ما يحدث من إبادة جماعية في غزة ولبنان، ما يعكس حالة الرفض الواسعة التي تتلاقها (إسرائيل) في أوروبا التي لطالما كانت تعدها معقلها، فأصبحت ضيفا "غير مرحب به" بملاعب أوروبا وجامعاتها ومؤسساتها الثقافية والفنية.
ولم يكن القلة الذين حضروا المباراة هم من مؤيدي الاحتلال، فأثناء عزف النشيد الإسرائيلي في بداية المباراة، أطلقوا صافرات وصيحات استجهان، ووقعت صدامات بين المشجعين المتضامنين مع فلسطين ومشجعي دولة الاحتلال وهم جنود من الجيش أرسلهم الاحتلال لمؤازرة المنتخب الإسرائيلي، جعل من الحضور في «ستاد دو فرنس» هو الأدنى منذ افتتاحه في 1998.
وبأسلوب آخر، عبر مشجعون إيطاليون عن رفضهم لجرائم الإبادة، فأثناء مباراة المنتخب الإسرائيلي بنظيره الإيطالي في 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث أدار نحو 50 مشجعا من جماهير إيطاليا، ظهورهم للملعب أثناء عزف النشيد الإسرائيلي، في المباراة المقامة ضمن مباريات الجولة الثانية من دوري الأمم الأوروبية.
وعلى غير المعتاد بالملاعب الأوروبية، أطلق مشجعو الاحتلال هتافات عنصرية ومحرضة على قتل العرب، ومؤيدة للإبادة الجماعية بغزة لتخرج المباريات من ثوبها الرياضي، واعتدوا على مرافق أوروبية عامة، كما حدث بمباراة فريق مكابي (تل أبيب) وأنصار فريق أياكس أمستردام الهولندي مطلع نوفمبر الجاري، والتي شهدت اشتباكات عنيفة أسفرت عن إصابة 30 شخصا من مشجعي الفريق الإسرائيلي.
وبعكس ما روجه الاحتلال بأن الأحداث مرتبطة بـ "معاداة السامية"، انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر بعض مشجعي مكابي وهم يهتفون بشعارات معادية للفلسطينيين والعرب، مما أثار غضب السكان المحليين وأدى إلى اشتباكات عنيفة مع المشجعين العنصريين.
وإضافة للهزائم الرياضية القاسية التي تلاقها الاحتلال على أرض الملعب الرياضي، كان تأثير أبعادها السياسية أكبر من ذلك، وعكس حجم العزلة التي تعيشها دولة الاحتلال، بين جماهير دول داعمة للاحتلال.
مواقف شعبية رافضة
ما يحصل بملاعب كرة القدم يراه رئيس اتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا فوزي إسماعيل، دلالة أن هناك موقفا واضحا وصريحا من الشعوب الأوروبية ضد حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وهذه ردة فعل حقيقية على العنهجية الإسرائيلية، خاصة بعد التصرف غير الأخلاقي من قبل مشجعي الفرق الإسرائيلية في الملاعب الأوروبية وترديد هتافات، تحرض على قتل العرب وتتباهى بمجازر الاحتلال بغزة.
وقال إسماعيل لـ "فلسطين أون لاين": إن "غالبية الأوروبيين يتساءلون عن سبب مشاركة منتخبات (إسرائيل) ببطولات أوروبية وهي غير موجودة بأوروبا، مما يدلل أنها مستعمرة للغرب على أرض فلسطين".
ولفت إلى أنه بعد كل مجزرة تحاول (إسرائيل) تبيض صورتها وغسل وجهها من خلال الرياضة والفن والأدب والمسرح، والآن تقوم بحملة كبيرة في أوروبا، منها تعزيز حضورها في لعبة كرة السلة ويتواطأ في ذلك الاتحاد الأوروبي للعبة، الذين يحاولون تقديمها للشارع الأوروبي كمسالمين ورياضيين، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل.
وعد حديث بابا الفاتيكان التي أطلقها مؤخرا وطالب خلالها بالتحقيق الجدي فيما يجري بغزة للتأكد من أنها إبادة جماعية، "تصريحات مهمة"، يتزامن ذلك مع تطور كبير بالمقاطعة الرياضية والفنية والأكاديمية التي طالت الكثير من الجامعات الأوروبية.
إلا أن الخاصرة الضعيفة لتلك الجهود التضامنية في أوروبا، هي مواقف الدول والشعوب العربية الضعيفة والتي لا ترتقي لمستوى حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على غزة. وفق إسماعيل
ويرافق الفرق الرياضية جنود من جيش الاحتلال يرسلهم الاحتلال وفق إسماعيل لأوروبا لمنحهم رحلة استجمام حتى يعودوا للمشاركة بالإبادة الجماعية بغزة.
قلق رسمي
وعن موقف الحكومات الغربية تجاه تنامي المقاطعة الرياضية للاحتلال الذي كان يعتبر أوروبا معقله، عد مشاركة الاحتلال ببطولات أوروبا دليلا أن (إسرائيل) مستعمرة أوربية على أرض عربية، وهو ما تجعل الحكومات الغربية تدافع عن (إسرائيل) رغم رفض الشعوب الأوروبية لهذا الدعم.
وأكد أن الحكومات الأوروبية قلقة جدا من هذا الوضع من ناحية الاستقرار والأمن في بلدانهم، ولا تريد خلق مشاكل داخلية، وهي تحاول فصل موضوع الحرب في فلسطين عن المشاكل الداخلية، لكن القوى اليسارية تؤيد الحق الفلسطيني.
بدوره، يلفت رئيس التجمع الفلسطيني في إيطاليا محمد حنون، أن هناك حالة من الغضب والاستنكار داخل الملاعب وخارجها، احتجاجا على مشاركة المنتخب الإسرائيلي وتحميله المسؤولية الكاملة بأنه يمثل كيانا يرتكب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، ويقوم بتطهير عرقي في غزة ولبنان.
وقال حنون لـ "فلسطين أون لاين": إن "الشارع الأوروبي منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، وهم بعملية شحن دائمة لإدانة المجازر الإسرائيلية بحق، وما رأيناه في الملاعب نتيجة لحالة الغضب".
ولفت إلى أن الشارع الأوروبي تغير تغييرا كبيرا، من ناحية رفض الاحتلال حتى أن (إسرائيل) لو أنفقت المليارات فلن تستطيع تحسين صورتها، أو إزالة الكراهية والحقد التي تحظى به في أوروبا حاليا، وباتت تعرف بين الأوروبيين بأنها كيان عنصري وفاشي وكل من يدعمها يلقى نفس الثمن.
وحتى الحكومات الأوروبية الداعمة للاحتلال أصبحت تلاقي نفس الثمن، بسبب دعمها للاحتلال، وأصبحت تواجه رفضا شديدا من قطاعات واسعة من الشعوب الأوروبية بمختلف المستويات، وهذا ما عكسته انتخابات البرلمانات الأوروبية التي ظهرت فيه قوائم تحمل اسم غزة كما حدث بالنمسا، إذ نجح عشرات المرشحين بسبب تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. كما تابع
وعد حنون المرحلة الحالية بأنها مرحلة رفض وجود الاحتلال بالمؤسسات الثقافية والرياضية والشعبية الأوروبية، مشيرا، إلى حراك جامعي كبير طال معظم الجامعات الأوروبية لرفض كل أشكال الدعم مع المؤسسات الإسرائيلية التعليمية مما يعني مزيد من العزلة للاحتلال.
وعلى ذات المنوال، لفت حنون، إلى أن عشرات الفنانين والممثلين والمخرجين وصانعي الموضوع يطلقون تصريحات رافضة للاحتلال، في ظل انتهاكه لكافة المواثيق الدولية وارتكاب مجازر إبادة استشهد فيها أكثر من 43 ألف فلسطيني، مما يثبت أنه نازي وفاشي، لافتا إلى حدوث تظاهرات يومية مؤيدة لفلسطين بأوروبا.
ورغم محاولة الاحتلال بعد حادثة "أمستردام" في هولندا وحدوث تصادم بين مشجعين هولنديين مؤيدي لفلسطين مع مشجعي الاحتلال، بالخروج بتظاهرة داعمة لـ (إسرائيل) إلا أن عدد المشاركين لم يزيدوا عن أصابع اليد، "فلا يوجد إيطالي حر يخرج ليدعم كيان مجرم، إضافة لأن الشعارات التي يطلقها مشجعو الاحتلال المسيسة مرفوضة وغير معتادة في القارة الأوروبية".
وأوجدت الحرب الإسرائيلية على غزة، بحسب حنون، تنسيقات عالمية للمطالبة بخروج مؤسسات عالمية جديدة لترسيخ مفهوم محاربة التطهير العرقي في فلسطين وخلق حالات نضالية لتكثيف عزلة الاحتلال وتقديم كافة أشكال الدعم للشعب الفلسطيني.