تلتف ديانا عجور وحولها أخواتها الأربعة توزع عليهن الأدوار، احداهن تقوم بصنع خلطة القشطة مع السكر وتوزعها في أواني، والأخريات يقمن بدورهن بإضافة جوز الهند، بينما تضع أخت أخرى بعض الكاكاو الخام، ومن ثم يقمن بتكوير كرات جوز الهند ثلجية المنظر بنكهتي القشطة، والكاكاو، وتنتهي في أطلاق بلاستيكية يتم تلغيفها بكيس نايلون شفاف.
افقتار واقبال
بدأ مشروع عجور بالنجاح منذ توقف الاحتلال الاسرائيلي عن إدخال البضائع الأساسية، وبعض التسالي، والسكاكر إلى جنوب قطاع غزة منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا، مما ينذر بدخوله مرحلة المجاعة التي يعاني منها شمال القطاع منذ ما يزيد عن عام.
وجدت (كرات الثلج) التي تصنعها الأخوات عجور طريقها إلى السوق المتعطش لأي حلويات، ومسليات، حيث وجد مشروعهن رواجا فاجئهن، لأنهن لأول مرة يقمن بمشروع عائلي في هذه الحرب.
تقول عجور النازحة من حي تل الهوى جنوب مدينة غزة: "فقدن مصدر رزقنا منذ بداية الحرب حيث كنت أعمل معلمة في إحدى رياض الاطفال، وفكرت كثيرا في إيجاد مشروع يعيلني وأخواتي ويمكننا من توفير طعام وبعض المستلزمات الاساسية، ولكن في كل مرة نصطدم بارتفاع أسعار جميع المنتجات بشكل جنوني".
وتتابع عجور لـ "فلسطين أون لاين": "حتى اقترح أخي المتزوج والنازح معنا في مواصي خان يونس صنع كرات جوز الهند التي قمت بتحضيرها قبل أكثر من شهر، كبديل عن البسكويت، والسكاكر المستوردة التي انقطعت من الاسواق، كنا متخوفات من تنفيذ الفكرة لأن أسعار المنتجات غالية للغاية، وعدم رواج منتجنا سيكبدنا خسائر لا نستطيع تحملها ولا تعويضها أيضا".
وتضيف عجور: "بدأن بإعداد كمية قليلة وقام أخي ببيعها في السوق، وحدث ما لم نتوقعه بيع الكمية بالكامل، وطلب بعض أصحاب البسطات اعداد كميات ليقوموا ببيعها".
وتشير إلى أنها تتخوف من توقف مشروعها في أي لحظة بسبب عدم ثبات السوق، وعزوف الناس عن شراء كرات جوز الهند فور دخول البضائع المستوردة التي ستكون أقل تكلفة عليهم.
ملابس مستعملة
أما الشابة علياء الشاعر تواجه ظروف الحياة القاسية التي أجربتها الحرب على عيشها، ببيع الملابس المستخدمة التي تمكنت النازحات من رفح وشرق خان يونس من جلبهن معهن فترة النزوح.
تحمل الشاعر (٢٠ عامًا) شوالًا من الملابس على ظهرها وتساعدها أختها الصغرى شهد على حملها عند شعورها بالإرهاب نظرا لسيرها لمسافات طويلة قاصدة مخيمات جنوب مدينتها خان يونس التي نزحت إليها من بني بلدة الزنة الحدودية.
تقول الشاعر لـ "فلسطين أون لاين": "معظم النازحين يعانون من نقص في الملابس، وغلاء أسعار الجديد منها في الأسواق ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل الحرب، لذا يقبلون على شراء المستعمل منها بأسعار أقل".
وتردف: "في البداية قمت ببيع ما تمكنت من إخراجه من بيتنا المدمر في الزنة، وبعتها لنساء المخيم، ومن ثم بدأت أجمع الملابس من معارفي وصديقاتي، وأقوم بالتردد على المخيمات القريبة مني وأعرضها على النسوة فيها، وشيئا فشئيا كونت صداقات حيث يقمن بالتواصل معي وطلب ملابس بمقاسات معينة، وبعد البحث عنها وتوفيرها أقوم ببيعها لهن وكسب بعض المال".
فرن الطين
أما فايزة حمد فضلت أن تصنع لها مشروعًا من عمل تتقنه وهو صنع الخبز على فرن الطينة، حيث كانت محترفة في إعداده داخل حوش بيتها في بيت حانون شمال القطاع قبل تزوجها نحو جنوبه.
صنعت فايزة برفقة زوجها فن الطينة من الطين وبعض القش، والاسمنت، وأسياخ حديدية، وتركته ليجف نحو أسبوعين ومن ثم بدأت بخبز الخبز لجاراتها في المخيم، فكل أربعة أرغفة مقابل شيقلا.
بعد انتهائها من خبز الخبز للسيدات، تسير في الطرقات وبين الاراضي جميع الورق، والحطب، والعشب الجافحيث تقوم هي بتوفير الحطب، والخشب، والكرتون الفارغ، وتبتاع بعض الخشب الذي يكفي يومها.
تقول حمد لـ "فلسطين أون لاين": " أخبز الخبز النازحات لكي أساعد زوجها في مصروف البيت فلدي ستة أطفال يحتاجون إلى طعام يومي وأسعار الخضار، والمواد الغذائية باهظة الثمن، وهو ما لا أستطيع توفيره بعد تدمير بيتي، وفقدان زوجي لعمله".
وتتابع: "الجلوس نحو ست ساعات يوميا مقابل نار فرن الطينة أمر مرهق للغاية، حيث أصاب بعض المرات بالاعياء، ولكن لا خيار أمامي سوى العمل حيث أجني نحو ثلاثين شيقلا يوميا اي ما يعادل (ثماني دولارات).
ويذكر أن قطاع غزة يتعرض الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر العام الماضي، حيث تم تدمير معظم المصانع، والشركات، مما أدى إلى فقدان الآلاف من الغزيين لمصادر رزقهم.