في ظل حصار خانق ونقص حاد في المواد الغذائية، أصبح العدس رمزًا للصّمود بالنسبة للعائلات في مدينة غزة.
فمنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر 2023، تفرض قوات الاحتلال حصارًا مشددًا، وتمنع دخول معظم أصناف الطعام والضروريات الأساسية، تاركةً أكثر من مليوني إنسان يعانون من الجوع وانعدام الأمان الغذائي.
وحيث تكاد تختفي معظم المواد الغذائية من الأسواق وتفشل المساعدات في الوصول، يستمر العدس في لعب دور بطولي، حاملاً رسالة صمود من شعب لم ينكسر رغم تخاذل العالم.
وفي شمال غزة، اضطرت عائلات بأكملها إلى الاعتماد على العدس كمكون أساسي وأحيانًا وحيد في وجباتها اليومية، ففي صباح كل يوم، تستيقظ الأمهات وهنّ يفكرن في طرق جديدة لتحضير العدس، حتى لا يسمعن الشكاوي من أطفالهم الذي سئموا العدس وأكله.
توضّح رجاء موسى أم لأربعة أطفال وتعيش نازحة مع عائلة مكونة من أكثر من عشرين شخصًا أنه وبعد مرور أكثر من عام على الحرب لم تجد سوى أكياس العدس متكدسة لديها من المساعدات الغذائية التي كانت تحصل عليها.
وتقول في حديث لـ"فلسطين أون لاين":" قبل الحرب كان إعداد وطبخ العدس في منزلي نادرًا ويقتصر على فصل الشتاء فقط، أما الآن فأنا أعده بأكثر من طريقة لجعل أطفالي يقبلون على تناوله دون تذمر وتأفف خاصة الصغار منهم".
وتشير إلى أنها قد تطبخ العدس كوجبة للإفطار بعد سلقه وهرسة ووضع بعض المطيبات عليه ليظن الأطفال أنهم يأكلون الفول، وعلى وجبة الغذاء أصبحت تصنع الفلافل من العدس والذي لم تصدق عائلتها بعد تذوقه أنه من العدس وليس الحمص كما هم معتادون.
أما فاطمة مصطفى فتؤكد أن هذا الاعتماد على العدس ليس بسبب تفضيل الناس له، بل بسبب غياب الخيارات الأخرى، كما أن العدس تحول إلى وسيلة للبقاء، وإلى رمز يعبّر عن صمود شعب غزة في وجه الحصار والتجويع المتعمد.
وتذكر في حديثها لـ"فلسطين أون لاين" أن العدس وجبة رئيسية كان يطبخ في السابق كشوربة أو يقطع فيه كمية من الخبز إلى جانب الزيتون والفجل والبصل، ولكن مع غياب هذه الخيارات أصبحت تطبخ العدس وتقلي بعد الخبز وتضعه على " فت العدس" كزينة ولتحبيب الأطفال بأكله.
أما طريقتها الثانية في طبخه، فتقول:" أحاول صنع وجبات مشبعة لعائلتي نظرًا لعدم قدرتي على توفير الطعام لهم ثلاث مرات في اليوم، ولذلك ألجأ إلى طبخ العدس ووضع الأرز عليه أو البرغل لجعله مشبعًا".
وتعبّر فاطمة عن تخوفها من أن يأتي عليها اليوم الذي تفقد فيه هذه الوجبة كما فقدت هي وأكثر من 400 ألف مواطن في شمال القطاع الكثير من أصناف الطعام التي كانوا معتادين عليها وأصبحت الآن في طي النسيان.
ورغم أن العالم يقف صامتًا أمام معاناة المواطنين في شمال قطاع غزة وجنوبه، واستمرار الاحتلال "الإسرائيلي" في سياسة التّجويع التي أقرها من بداية الحرب، إلا أن "العدس" هذه الوجبة البسيطة لم تخذل الغزيين، بل أصبحت عنوانًا للمقاومة والبقاء، وشاهدًا على إرادة شعب يرفض أن ينكسر.