فلسطين أون لاين

تستخدم الحكايا كبوابة للتعلم والقراءة

تقرير تحت ظل الشجرة .. فاطمة تبني صداقة بين القصص والأطفال

...
تحت ظل الشجرة .. فاطمة تبني صداقة بين القصص والأطفال
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تحت ظلال شجرة في ركن من أرض نزحت إليها، تمسك فاطمة الزهراء سحويل/ الشرقاوي كتابا تقرأ منه قصصًا وحكايات لأطفال يتجمعون حولها، فينصتون بكل تركيز وشغف لتفاصيل قصص حفظتها منذ خمسة عشر عاما عندما كانت ترويها لطفلتها قبل النوم، واليوم تنقل مخزونها الكبير من القصص لأطفال جمعتها بهم رحلة نزوح بمدينة دير البلح وسط القطاع.

تسافر فاطمة بالأطفال بعيدًا عن أجواء الحرب وضغوطها، فلا يرون أطفال بنفس عمرهم يعيشون بنفس البقعة الجغرافية، يبكون الآن على فقد آبائهم بمستشفى شهداء الأقصى، أو بأطفال بنفس عمرهم ينقلون بأكفان نحو المقابر، أو يخرجون من تحت الأنقاض، في ظل استهداف الاحتلال لمراكز الإيواء وخيام النازحين.

من خلال القصص المحببة للأطفال تنقل فاطمة الأطفال لهدف آخر بالتعلم والقراءة من هذه البوابة، إضافة لترديد الأغاني المنهجية لتعليهم.

دفعت ظروف الحرب وخوفها أن يفقد أبناؤها الأربعة شغفهم للتعليم، فاطمة للجلوس مع أطفال تحت ظل الشجرة لتروي لهم قصصا وحكايات متنوعة، انضم إلى الجلسة بعض الأقارب وتوسعت الدائرة لينضم الجيران من النازحين ويصبح العدد نحو 100 طفل انتظموا في تلك الحلقة الأمر الذي أشعر فاطمة بـ "بالمسؤولية والأمانة التعليمية لمساعدة  الأطفال" فاختارت التعليم عن طريق القصص والأغاني واللعب وأطلقت على مبادرتها اسم "مبادرة حكايات" وأصبحت نقطة تعليمية تبنتها مؤسسة عبد المحسن القطان.

وسيلة آمنة

تقول فاطمة لموقع "فلسطين أون لاين": "بدأت بحل مشاكل  القراءة والكتابة وقسمت الطلاب لفريقين على مدار أيام الأسبوع ، فأقص الحكايات التي تؤدي لمتعة الأطفال وشغفهم للتعلم بالتالي رفع روح الإبداع، فيأتي الطفل لأنه مستمتع بالتالي وهو ما  يسد الفجوة والنقص التعليمي".

تضيف "الحكاية تؤدي لشعور الأطفال بالمتعة فنبني صداقة بين الطفل والحكاية كأحد أبواب التعلم، بالتالي نربطهم بالقراءة وهم صغار، وهو يرى القصة ويتفاعل معها بالصوت والتعبير، كما أن الحكايا ترسخ في الذاكرة وهي نوع من وسائل الأمان التي نحتاجها لتقليل القلق خاصة مع تفاعل الأطفال معها".

تذكر فاطمة الأطفال الذين يركضون وراء شاحنات تعبئة المياه ويصطفون أمام بوابات تكايا الطعام، أنه يجب أن "يشعر بالأمان والفرح واللعب لأجل التعليم، وهذا شيء يسعدني عندما آرى اثر التعلم عن طريق الحكاية والغناء واللعب".

وفاطمة سحويل/ الشرقاوي، حاصة على دبلوم تربية وماجستير إعلام واتصال وتعمل بمجال الإعلام الثقافي، ومن خلال التعليم تنشر الثقافة، ويوميا بعد انتهاء جلستها مع الأطفال تنطلق لممارسة عملها الإعلامي بإعداد التقارير الثقافية.

من القصص التي ترويها للأطفال، حكاية "الجيران الثلاثة" وتتحدث عن ثلاثة أصدقاء: (سلحفاة، وأرنب، وكلب) يساعدو، السلحفاة على الوصول للمدرسة بالموعد المناسب كونها بطيئة، بدون أن تتوبخ أو تصل متأخرة، فتغرس معاني المساعدة والانضباط والتفكير بالمساعدة.

ومن الحكايا الأخرى، قصة "المارد" التي تخاطب مخاوف الأطفال بالذهاب للمدرسة، روت قصة البطيخ وتتحدث عن "أرنوب صغير" يأخذ الطعام بدون استئذان من صاحب المزرعة فيتعرض لهجوم من صاحب الأرض (فوكسي) فيتلقى درسا قاسيا بعدم أخذ شيء بدون إذن صاحبها.

روت فاطمة حكاية عن قصة "القملة الهاربة" وهدفها تعليم الأطفال موضوع النظافة، من خلال القصة والأغنية، وقرأت قصصا من كتاب "لافونين" كحكاية "المزارع" الذي أنقذ ثعبانا من الموت، وهدفها التأكيد أنه "انقاذ الناس أحيانا يؤدي إلى دمار لنا، فأول شيء فعله الثعبان بعد انقاضه اللدغ ولم يحفظ المعروف للرجل".

عن شغفها بالقصص، تستعيد ذكريات عمرها خمسة عشر عاما قائلة "منذ أن بلغت ابنتي عاما بدأت بقراءة القصص قبل النوم، فأصبحت القصص شيء مقدس عندي عمرها من عمر ابنتي، وأصبح لدي مخزون كبير من القصص التي غرست في ذاكرتي وتلك الموجودة في الكثير من الكتب والحكايات التي اقتنيتها واستخدمها في قراءتها للأطفال، والتي حولناها لمبادرة تعليمية مع الأغاني المنهجية".

أساليب أخرى

إضافة للقصص، تردد فاطمة أغاني تعليمية مع الأطفال لحفظ علامات الترقيم بالأغنية، كحروف الجر والعطف والتحية باللغة الإنلجيزية، وأيام الأسبوع والألوان، وأغنية النظافة، والتنوين، وتعلم قواعد اللغة العربية فتكون محببة وسهلة للتذكر.

توضح "جزء من تلك الأغاني أقوم بتلحينه، وجزء آخر من خلال الأغاني التي لحنها معلمون من خارج غزة".

في إحدى فقرات الأغاني المنهجية، لتعليم "الشدَّة" يردد الأطفال خلفها "أنا الشدة تلفظني مرتين. سكون، ثم حركة، فتحة، كسرة، ضمة وكمان مع التنوين" وبنفس الطريقة تعلمهم أقسام الاسم يرددون خلفها "أغنية  أقسام الاسم ثلاثة، كفرد، مثنى، وجمع يا أحباب قد يكون مذكر وقد يكون مؤنث قد يكون نكرة، وقد يكون معرفة احفظوها جيدا يا أحباب".

كانت نتائج التعليم مبهرة لفاطمة، تبين بصوت يرتدي ثوب الفرح "جاءني أطفال من الصف الرابع والسادس لديهم مشكلة ضعف بالقراءة، وبدؤوا بتهجئة، واستخدمت معهم القاعدة النورانية بطريقة القراءة والنسخ، والآن يستطيعون القراءة بشكل جيد".

مع قرب فصل الشتاء، تخشى أن تنقطع فاطمة عن الأطفال، خاصة أن الشجرة لن تحمي الأطفال من مياه المطر، وسيتعذر عليها تعليم 100 طفل إذا لم تزود ببعض الخدمات والاحتياجات ووسائل تعليمية.

ولا تقل حكاية نزوح فاطمة عن القصص التي ترويها، كونها واصلت التربية والعمل والتعليم رغم نزوحها من مدينة غزة داخل المدينة قبل الذهاب لمحافظة خان يونس وهناك انضمت لفريق مبادر تطوعي واستكملت مبادرتها بشكل فردي بدير البلح، وهي القصة التي يشاهدها الأطفال بعيونهم ولا تروى لهم.