فلسطين أون لاين

"بكيت على أقاربي لدقائق ثمَّ واصلت عملي"..

تقرير ثلاثة أطباء يروون لـ "فلسطين أون لاين" مواقف مؤلمةً "لا تنسى" بين أروقة مشافي غزَّة

...
طبيبان فلسطينيَّان يرويان لـ "فلسطين أون لاين" مواقف مؤلمةً "لا تنسى" بين أروقة مشافي غزَّة
محمد سليمان/ فلسطين أون لاين

يُوصف أطباء غزَّة بأنهم "مقاومون بالرداء الأبيض"، لما يُظهرونه صمود من على جبهة الإنسانية وهم يصلون الليل بالنهار لمداواة جرحى الحرب الإسرائيلية الضارية التي تكمل، عامها الأول، وتزداد قيمة عطاء أطباء غزة كونهم يعملون في ظروف بالغة التعقيد، خاصة مع سياسة الاحتلال في الاستهداف المركز والممنهج للمستشفيات والمرافق الصحية، وخروج كثير منها عن الخدمة.

روى عددٌ من هؤلاء الفدائيون لـ "فلسطين أون لاين" مشاهد "مؤلمة" عايشوها خلال عملهم في مشافي قطاع غزَّة الذي يتعرّض لإبادة جماعية، مؤكدين أن "الكاميرات لا تنقل الواقع الحقيقي للمأساة والمعاناة التي يعيشها سكان القطاع المحاصر والمعزول عن العالم".

ومر الأطباء طيلة فترة العام الأول من العدوان بمواقف صادمة، كان أبرزها وصول أقاربهم وأبناؤهم إلى أماكن عملهم، والتعامل مع إصابات خطيرة لم يعهدوها خلال طيلة سنوات عملهم وخبراتهم بمستشفيات قطاع غزة.

إلى جانب، تعمد الاحتلال استهداف أمهر أطباء غزة، من خلال قصفهم داخل منازلهم بعد لحظات من خروجهم من المستشفيات، مرورًا باعتقالهم، حيث تحتجز"إسرائيل" العديد من أطباء غزة وأطقمها الطبية، استشهد اثنان منهم على الأقل في معتقلات إسرائيلية، وهما: رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء، عدنان البرش، ورئيس مستشفى النساء، إياد الرنتيسي. ولم تُعد إسرائيل جثمان أي من الرجلين. كذلك هُجِّر مئات العاملين في المجال الطبي أو غادروا غزة تماماً.

من جانبه، يستذكر مدير عام المستشفيات بوزارة الصحة، الطبيب مروان الهمص، لمراسل "فلسطين أون لاين" أبرز المواقف الذي لا يمكن لها نسيانها خلال العدوان المستمر على قطاع غزة، وهي وصول شهداء من أقاربه خلال عمله.

ويقول الهمص: "شاهدت أقاربي وأحبابي شهداء، كذلك خروج زميلي الطبيب عبد الكريم بواب من المستشفى ثم يعود مع 27 شخصًا من عائلته شهداء، وهذا أثر بنا بشكل كبير ولكن لن يثنينا عن تقديم الخدمة الصحية لأبناء الشعب الفلسطيني".

ويوضح الطبيب الهمص، في شهادته، "أن العدوان الإسرائيلي كان موجهًا لتدمير البنية التحتية الصحية، وهو ما ساهم بانتشار الأمراض والأوبئة".

ويبين، أن الاحتلال الإسرائيلي تعمد إخراج المستشفيات المركزية في قطاع غزة عن العمل، كمجمع الشفاء الطبي الذي هاجمه أكثر من مرة وقام بتدميره، وكذلك مجمع ناصر، وكمال عدوان، والمستشفى الإندونيسي.

ويلفت إلى أن جيش الاحتلال دمر ما يقارب 65 % من المنظومة الصحية داخل قطاع غزة، منها مؤسسات حكومية، وأهلية، وتابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، والـ35% التي تبقت وصلت نسبة الإشغال بها 300%.

ويشير إلى أن 1000 شهيد من الطواقم الطبية استشهدوا، و312 معتقل في سجون الاحتلال منهم 4 أطباء استشهدوا تحت التعذيب داخل السجون.

وتعمد الاحتلال، حسب الهمص، استهداف الأطباء أصحاب التخصصات الطبية، ومدراء المستشفيات، ويمنع أن تقوم المنظومة الصحية على عملها بأكمل وجه.

ومن المواقف الذي لن ينساها مدير قسم التمريض داخل مستشفى غزة الأوروبي، الطبيب صالح الهمص، كانت للحظة جاء خبر استشهاد 17 شخصًا من أفراد عائلته، خلال عمله داخل المستشفى في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويقول الهمص في حديثه لـ"فلسطين أون لاين" أون لاين": "بكيت على أقاربي لخمس دقائق داخل أروقة مستشفى غزة الأوروبي، وأمام ضغط العمل ووصول مئات الجرحى عدت لمواصلة عملي وأداء واجبي داخل المستشفى".

ويضيف الهمص: "وصول خبر استشهاد أقاربي خلال عملي سيبقى بذاكرتي ولا يمكن نسيانه، حيث لم يكن هناك وقت للحزن عليهم أو حتى المشاركة بدفنهم بمقابر المسلمين".

ويوضح الهمص، أن خلال عام كامل على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كانت الطواقم الطبية بدائرة الاستهداف من قبل الاحتلال، من خلال قتل الأطباء بشكل متعمد، واقتحام المستشفيات.

أما طبيب الجراحة محمد الزعفراني، يقول إن أكثر المواقف الصادمة التي واجهته خلال عمله داخل مجمع ناصر الطبي، هي حالة الجروح والبتر للجرحى الذين وصلوا إلى المجمع

ويقول الزعفراني لـ"فلسطين أون لاين": "تعاملت مع إصابات لم تمر علي طيلة فترة عملي خلال السنوات الماضي، حيث الحروق التي تصهر العظام، وحالات البتر لأطفال وشباب وكبار بالسن".

ويوضح طبيب الجراحة، أن ضغط العمل نتيجة تدفق الجرحى بالمئات بفعل غارات الاحتلال سبب حالة إرهاق كبيرة جدًا للأطباء، وجعلهم يعملون فوق طاقتهم البشرية، إلى جانب ظروفهم التي يعيشونها وعائلاتهم في ظل النزوح والقصف العشوائي.

ومنذ بدء الحرب على القطاع، عمد الجيش الإسرائيلي إلى استهداف مستشفيات غزة ومنظومتها الصحية، وأخرج معظمها عن الخدمة، مما عرّض حياة الأطباء والعاملين والمرضى والجرحى للخطر، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وبحسب آخر حصيلة للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فقد استشهد 986 شخصا من الطواقم الطبية بوزارة الصحة جراء الحرب على القطاع.

وبدعم أميركي مطلق تشن "إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حربا مدمرة في غزة خلفت أكثر من 137 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل "إسرائيل" الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.