بعد عام من المعركة، كشف تقرير، أن جنديات وحدة المراقبة الحدودية الإسرائيلية، اللواتي حذرن من هجوم وشيك في السابع من أكتوبر، لا يزلن يتعرضن للإهمال من قبل قادتهن.
وفي التفاصيل، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إن الجنديات المتمركزات في قاعدة ناحال عوز حذرن السلطات الإسرائيلية لأشهر من "نشاط مريب" لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولكن دون أن يتحرك أحد.
وانطلقت الصحيفة -في تقرير مطول بقلم أنات بيليد- من صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عندما ظهر العشرات من الرجال المدججين بالسلاح على شاشة الفيديو التي تشغلها الجندية الإسرائيلية مايا ديسياتنيك، المكلفة بمراقبة جزء من الحدود مع غزة في قاعدة نحال عوز.
وبالفعل أطلقت الجندية الإنذار "هناك فارس تركي"، مستخدمة كلمة السر العسكرية الإسرائيلية التي تشير إلى التوغل داخل الأراضي الإسرائيلية، في وقت كان فيه المسلحون الفلسطينيون يخترقون الحدود في العملية التي حملت اسم "طوفان الأقصى".
تجسّدت على الشاشات
وفي ذلك الصباح، تحولت مخاوف المراقبات اللاتي حذرن منها رؤساءهن مرارا وتكرارا لأشهر، إلى حقيقة تتجسد على شاشات الفيديو في غرفة العمليات الخاصة بالمراقبين، فأصدرن تحذيرات عاجلة للقوات في الميدان، وعندما اجتاح أكثر من 150 مسلحا قاعدتهن طلبن المساعدة بشكل محموم، لكن لم يأتِ أحد، وفي النهاية قُتل نحو 50 جنديا في قاعدة نحال عوز، بينهم 15 مراقبة بالرصاص، وأُسر 7 وأخذن إلى غزة.
وهكذا أدى فشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في الاستجابة لتحذيرات المراقبات اللاتي خدمن غير مسلحات في ناحال عوز، وعجزها عن حمايتهن، إلى تحويل النساء إلى رمز قوي لفشل الاستخبارات والجيش الإسرائيليين يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كما تقول الكاتبة.
فيديو عام عن ٧ اكتوبر
كانت المراقبات في ناحال عوز، في الصحراء على بعد 50 ميلا جنوب "تل أبيب"، وهن جزء من مجموعة متخصصة من النساء، مهمتهن مراقبة المناطق الحدودية الإسرائيلية، وهن يعملن في نوبات لمراقبة الشاشات باستمرار مع بث الفيديو من الحدود على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
وقد تم الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة عبر الهاتف، حيث كانت ناحال عوز في الأشهر التي سبقت السابع من أكتوبر/تشرين الأول مليئة بالأنشطة المشبوهة، حسب الكاتبة، إذ يقول مراقبون سابقون إن حشودا من الفلسطينيين بعضهم مسلحون، كانوا يظهرون بانتظام عند سياج الحدود، ويشعلون النار في الإطارات، ويحجبون رؤية الكاميرات، ويحاولون أحيانا اختراق الحاجز.
قالت روني ليفشيتز (21 عامًا)، التي عملت كمراقبة في ناحال عوز لكنها كانت في قاعدة أخرى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، إنها في إحدى المرات رأت نحو 10 شاحنات صغيرة تحمل نحو 20 مسلحًا بالقرب من السياج، وإنهم "أشاروا إلى نقاط على السياج، حيث توجد أبراج المراقبة لدينا"، وأضافت "لقد نبهت قيادتي"، لكنها لا تعرف ماذا فعل رؤساؤها بعد ذلك.
أخبرت والدتها
وفي تسجيل لمكالمة هاتفية قبل شهر من السابع من أكتوبر، أخبرت روني إيشيل والدتها أن الحوادث عند السياج كانت في تزايد، وأنها ستضطر إلى قضاء المزيد من عطلات نهاية الأسبوع في القاعدة، وقالت "هذا ليس جيدا. لا نعرف متى سنكون قادرين على العودة إلى المنزل".
وقامت يائيل كوخافي (20 عامًا)، وهي ضابط صف كانت مكلفة بالإشراف على عمل المراقبين، بتجميع تقارير استخباراتية يومية لرؤسائها في نهاية كل وردية مع صور وفيديو لأحداث غير عادية، وقالت إن هذا التقرير تم إرساله بعد ذلك إلى ضابط استخبارات وحتى قائد اللواء.
وقال مسؤولون استخباراتيون حاليون وسابقون إن الجيش كان يميل في السنوات الأخيرة إلى النظر للمراقبين على أنهم حراس أمن، وركّز بدلا من ذلك على مصادر استخباراتية أخرى ذات تكنولوجيا أعلى مثل استخبارات الإشارات السرية من وحدة النخبة الإسرائيلية 8200.
ساعة الصفر لـ "السبت الأسود"
عندما بدأت صفارات الإنذار تدوي وأطلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وابلا من الصواريخ فجر يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ركض 9 مراقبين لم يكونوا في الخدمة إلى ملجأ للحماية من القنابل في القاعدة، وبعد فترة وجيزة اجتاح المسلحون القاعدة المحاطة بسياج، وقال ليفي إنه اختبأ خلف شجيرة في مواجهة أعداد هائلة من المسلحين، وداخل الملجأ بدأت النساء في إرسال رسائل وداع لآبائهن.
وفي غرفة العمليات، التي كان من المفترض أن تكون المكان الأكثر أمانا في القاعدة، بقي المراقبون في مواقعهم حتى تلقوا أوامر بالاختباء في مكتب قائد مجاور، بعيدا عن المكان الذي كان المسلحون يحاولون دخول المبنى منه.
وقالت ديساتنيك إنها اختبأت خلف حواجز خرسانية بالقرب من نافذة غرفة العمليات مع العديد من الجنود الذين فروا، على أمل أن يتمكن مراقبون آخرون من الخروج، لكن لم يأتِ أحد، وعندما أصبحت الحرارة والدخان لا يطاقان، انتقلوا إلى مكان اختباء آخر حتى وصلت التعزيزات بعد ساعات.
وتابعت شرفيت أنهن حوصرن تحت محطات العمل الخاصة بهم، بدون أسلحة للدفاع عن أنفسهن. وقالت إن قادتهن، الذين كانوا على بعد 20 ميلًا، أخبروهن أن الجنود المقاتلين محاصرون في كمائن ولا يمكن استدعاؤهم.
وعندما عادت كاميرا المراقبة “في شبه معجزة” للعمل من جديد، قالت شرفيت إنها عادت على الفور إلى العمل، تبلغ القادة كلّ ما تراه: “المئات من قوات حماس التي أصبحت آلافًا، تتنقل ذهابًا وإيابًا من غزة إلى التجمعات المجاورة”.
جوهر فشل إسرائيل
وترى شرفيت، أن جوهر فشل "إسرائيل" كان في بيروقراطيتها العسكرية الصارمة وغير المتجاوبة، فالقيادة العليا، البعيدة عن الخطوط الأمامية، كانت تفتقر إلى الثقة الغريزية بالجنود على الأرض وبالمراقبات النساء اللاتي يدعمنهم، على حد قولها.
وبينما كانت فرقتها تحاول بناء معلومات استخبارية حول المسلحين، كانت الأوامر تُوجه لهن بتوجيه تركيزهن بعيدًا. وفي بعض الحالات، كان يُطلب منهن متابعة أهداف كن يعرفن من سابق تجربتهن أنها غير صحيحة.
البحث عن الحقيقة
في الأسابيع التي أعقبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عندما كانت روني ابنة إيال إيشيل لا تزال مصنفة على أنها مفقودة، شعر والدها بالإحباط، وبدأ تحقيقه الخاص، وتحدث إلى الناجين والمسؤولين العسكريين وكل شخص يمكنه تعقبه.
استغرق الأمر 34 يوما حتى تمكنت السلطات من التعرف على ابنته روني، في مختبر الطب الشرعي، حيث قام علماء الأنثروبولوجيا بفحص التيجان والأسنان وما تبقى من الشابات في الخدمة ذلك اليوم، وقال خبراء الطب الشرعي إن جثثهن احترقت في درجات حرارة عالية.
اكتشفت العائلات أن الشابات لم يكن لديهن طفايات حريق في غرفة العمليات، وقال إيشيل وأولياء أمور آخرون إنه كان من الممكن إنقاذهن لو وصل رجال الإنقاذ في الوقت المناسب.
إخفاقات أوسع
تشير معلومات أخرى ظهرت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول -حسب الكاتبة- إلى إخفاقات استخباراتية أوسع نطاقا، وهو ما فسرته الكاتبة بأن الجيش الإسرائيلي خصص معظم موارده نحو الحدود الشمالية للبلاد، حيث كان ينظر إلى حزب الله على أنه تهديد أكثر خطورة من حماس، وفقا لمسؤول أمني إسرائيلي.
ورغم إصرار المدعي العام الإسرائيلي على تشكيل لجنة تحقيق حكومية، فإن هذه اللجنة لم تتشكل بعد، لأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال إن التحقيقات يجب أن تتم فقط بعد انتهاء الحرب، ومع ذلك يجري الجيش حاليا تحقيقا خاصا به فيما حدث في ناحال عوز، لدراسة أدائه واستخلاص الدروس للمستقبل، ووعد بنشر النتائج علنا.
غير أن الآباء يريدون تحقيقا حكوميا مستقلا أوسع نطاقا لدراسة الإخفاقات الأوسع المرتبطة بيوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، مع منحهم السلطة للعثور على الأفراد المسؤولين عن الأخطاء، والتوصية بعدم السماح لمثل هؤلاء الأشخاص في الاستمرار بالخدمة في مناصب السلطة.