قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن إظلام قطاع غزة المتعمد نتيجة قرار إسرائيل قطع الكهرباء عن أكثر من مليوني إنسان منذ قرابة عام كامل له نتائج وتداعيات إنسانية كارثية وطويلة الأمد تطال كافة جوانب الحياة للسكان هناك وتخضعهم لظروف معيشية مدمرة، مما يجعل من هذا الفعل وسيلة لتحقيق الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي، في بيان له اليوم الخميس، أن قطع الكهرباء عن مساحة جغرافية بحجم 365 كيلو مترًا مربعًا، يسكنها 2.3 مليون إنسان لما يقرب من عام كامل يكاد يكون إجراءً غير مسبوق في تاريخ الصراعات والحروب، لأنه بالأساس ناجم عن قرار سياسي عبّر صراحة عن النية لتدمير الفلسطينيين في قطاع غزة، وليس مجرد نتيجة للأعمال الحربية.
وأشار في هذا السياق إلى، تصريح وزير الجيش الإسرائيلي "يوآف غالانت" مساء 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، حيث قال صراحة: "لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام. نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك." وقد أعقب ذلك قرار وزير الطاقة والبنية التحتية "يسرائيل كاتس" بقطع إمدادات الكهرباء عن قطاع غزة في اليوم ذاته، ثم تلاه قرار وزير الجيش بمنع دخول أي شاحنة تحمل الوقود إلى القطاع.
وبيّن الأورومتوسطي أنه نتيجة لهذه القرارات، عُطلت خطوط إمداد الكهرباء للقطاع القادمة من إسرائيل والتي كانت تصل إلى 120 ميغاواط، منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الإسرائيلية، فيما تسبب منع إدخال الوقود بتوقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، والتي كانت تنتج في حدها الأقصى 80 ميغاواط بعد نفاد مخزون الوقود لديها في 10 أكتوبر/تشرين أول 2023، ما أدخل القطاع في حالة من الإظلام التام.
وذكر الأورومتوسطي، أن "إسرائيل" لم تكتفِ بهذين الإجراءين لقطع الكهرباء عن قطاع غزة، بل شنت على مدار الأشهر الماضية هجمات منهجية وواسعة النطاق على مصادرة الطاقة البدلية التي اعتمد عليها بعض السكان والمنشآت الخدماتية، حيث استهدفت أنظمة وألواح الطاقة الشمسية المثبتة على أسطح المباني والمنشآت العامة والخاصة، بما في ذلك تلك المقامة في المستشفيات، والمطاعم، والمخابز، ومراكز التسوق، وهو ما يدل على وجود سياسة منظمة لدى إسرائيل لتدمير أي مصدر للكهرباء ولو جزئي، لضمان إغراق قطاع غزة في ظلام دامس.
وقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة عدة منازل ونقاط شحن الكهرباء والتزويد بالإنترنت التي تعتمد على ألواح طاقة محدودة، حيث وثق فريق الأورومتوسطي الميداني عشرات المنازل والنقاط التي قصفت فيما يبدو لهذا الهدف تحديدًا، دون أي ضرورة أمنية أو عسكرية.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن قطاع غزة كان يعاني من أزمة كهرباء خانقة طوال 17 عامًا من الحصار التعسفي وغير القانوني، وذلك قبل الهجوم العسكري الإسرائيلي المتواصل. حيث كان العجز في إمدادات الكهرباء يصل إلى نحو 60%، ويزداد هذا العجز في فصل الصيف.
ويحتاج القطاع إلى ما بين 450 و500 ميغاواط يوميًا، بينما ترتفع الحاجة في فصل الشتاء إلى 600 ميغاواط. في المقابل، لا يتجاوز المتوفر في أفضل الأحوال 200 ميغاواط، مما اضطر سلطات الكهرباء المحلية إلى اعتماد برنامج كهربائي يعتمد على 8 ساعات وصل تليها 8 ساعات قطع في أفضل الظروف.
ونتيجة للقطع التعسفي المتعمد للكهرباء، واجه قطاع غزة أزمات خانقة متكررة، حيث اضطرت المستشفيات والمراكز الصحية إلى التوقف عن العمل عدة مرات بعد تدمير مولدات الكهرباء وأنظمة الطاقة الشمسية. كما تسبب نقص الوقود وتعطل المولدات المتبقية نتيجة الاستخدام المتواصل في تفاقم الوضع.
ونتيجة لذلك، وثق المرصد الأورومتوسطي عدة حالات وفاة داخل المستشفيات نتيجة توقف بعض خدمات الرعاية الصحية بسبب انقطاع الكهرباء، بمن في ذلك ذلك حديثو ولادة في الحضانات وجرحى ومرضى على أجهزة التنفس الصناعي. كما أدى ذلك إلى تعطيل المختبرات الطبية، وعرقلة إجراء التحاليل الحيوية، وتخزين الأدوية والمستلزمات الطبية.
وبيّن أن قطع الكهرباء أسهم كذلك في تفعيل استخدام التعطيش كأداة حرب، فعلاوة على قراره في الأيام الأولى للهجوم العسكري قطع خطوط المياه التي تغذي قطاع غزة، تسبب انقطاع الكهرباء بتوقف أو عرقلة عمل محطات تحلية المياه خاصة شمال غزة، فيما ترسّخ استخدام التعطيش كأداة لتفريغ المناطق الشمالية لقطاع غزة من سكانها بشكل ممنهج.
وأشار في هذا الصدد إلى، أن قطع الكهرباء وعدم توفر الوقود عطّل أيضا قدرة البلديات على استخراج المياه من الآبار أو إيصال المياه في حال تمكنها من استخراجها.
ونتيجة لذلك، اضطر مئات آلاف السكان والنازحين لشرب مياه ملوثة، وتراجعت حصة الفرد في قطاع غزة من المياه بنسبة 97% إثر الحرب الإسرائيلية على القطاع، وسط دمار كبير حل ببنية المياه التحتية وأثر على الإمدادات.
وأظهر تقرير مشترك صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة المياه الفلسطينية أن حصة الفرد الواحد من المياه في غزة انخفضت إلى ما بين 3-15 لترًا يوميًّا مقابل معدل استهلاك بنحو 84.6 لترًا للفرد يوميًّا خلال العام 2022.
ووفق التقرير نفسه، أدى انقطاع الكهرباء إلى توقف نحو 65 مضخة صرف صحي، وستة محطات لمعالجة المياه العادمة، الأمر الذي تسبب بالعديد من المشكلات البيئية، وساهم في انتشار الأوبئة وتلوث الخزان المائي الجوفي.
ونتيجة لذلك، تفشت الأمراض الجلدية والتنفسية والكبد الوبائي وغيرها من الأمراض المعدية، فيما ساهم ذلك أيضًا في تعزيز تعطل عملية جمع النفايات الصلبة والمكبات الصحية من الخدمة، حيث كانت نسبة جمع النفايات تقدر بحوالي 98% قبل الهجوم، وانخفضت هذه الخدمة إلى أقل من 20% في الوقت الحالي.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن حتى الحلول الجزئية التي تمثلت في إدخال كميات محدودة من الوقود عبر الأمم المتحدة لتشغيل مولدات بعض المستشفيات ومحطات المياه أو آبار المياه، ظلت غير كافية، وبقيت عرضة للتوقف بشكل متكرر بسبب حصار إسرائيل التعسفي وقرارها بمنع دخول المساعدات الإنسانية والمواد الأساسية التي لا غنى عنها للبقاء، بما في ذلك الوقود، مما وضع مئات الآلاف من السكان والمرضى في دائرة الخطر المستمر، وزاد من العبء النفسي عليهم.
ففي 24 نوفمبر/تشرين ثانٍ 2023، أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بأن 75 ألف لتر من الوقود دخلت غزة من مصر عقب قرار إسرائيلي في 18 أكتوبر/تشرين أول بالسماح بدخول كميات صغيرة من الوقود بصورة يومية، للعمليات الإنسانية الأساسية، في الوقت الذي يحتاج القطاع إلى نحو 200 ألف لتر من الوقود يوميًّا.
وذكر الأورومتوسطي أن تأثيرات انقطاع الكهرباء امتدت إلى كل مرافق الحياة الأخرى، ومنها تعطيل ما تبقى من أشكال تصنيع ولو بدائية ومحدودية، وتعطيل عمليات ري الأراضي الزراعية، والتسبب بتلف عشرات الأطنان من كميات المساعدات التي تحتاج إلى تبريد، وتشويش وتعطيل محاولات التعليم الإلكتروني عن بعد، والقضاء على آلاف فرص العمل عن بعد.
ونبه المرصد الأورومتوسطي إلى، أن الانقطاع المستمر تسبب بأضرار كارثية ووفاة العديد من السكان، مع تداعيات قد تستمر لسنوات، مؤكدًا أن هذا الوضع يترك آثارًا نفسية خطيرة على السكان، حيث نشأ عشرات الآلاف من الأطفال خلال فترة الحرب دون أن يعيشوا لحظة واحدة تحت الكهرباء.
وأفاد "محمد إسحاق الغازي"، وهو باحث يدرس ماجستير في جامعة الأزهر في غزة، لفريق الأورومتوسطي: "تأثرت حياتنا بانقطاع الكهرباء كثيرًا، أنا تضررت على صعيد مسيرتي التعليمية، عانيت من عدم توفر إضاءة للدراسة، واضطررت للمشي 3 كيلومترات حتى أصل إلى أحد الأصدقاء ممن لديه لوحة طاقة شمسية متضررة، ومن خلالها أمكنني تقديم الامتحانات."
ونتيجة لاضطرار مئات الآلاف من السكان في قطاع غزة لإشعال الحطب للتمكن من الطهي وممارسة المهام اليومية كبديل عن غاز الطهي والكهرباء، فإن جزءًا كبيرًا منهم بدأوا بالفعل يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي والعيون ستترك آثارًا دائمة أو طويلة الأمد على صحتهم.