بشكل مستمر تتردد أم يوسف أبو مصطفى على المستوصفات والمستشفيات الطبية بحثًا عن علاج لطفليها التوأم محمد ويوسف (ستة أشهر)، وفي كثير من المرات لا تجد الدواء المطلوب مما يفاقم وضع طفليها ويتركهما فريسة للمرض والجفاف وسوء التغذية الذي يعانيان منه بسبب كثرة الأمراض وعدم توفر الدواء.
وتشهد النقاط الطبية والعيادات الخاصة والحكومية اكتظاظا كبيرا في أعداد المراجعين والمرضى الذين يترددون عليها يوميا، ويصطف المراجعون في طوابير طويلة تستغرق عدة ساعات قبل وصولهم للطبيب المختص، في وقت تنتشر فيه الأمراض داخل القطاع بسبب عيشهم في داخل خيام وبيئة صحية غير مناسبة فضلا عن الاكتظاظ الكبير خاصة في منطقة المواصي غرب محافظة خان يونس.
داخل عيادة طوارئ الأطفال بمستشفى الكويت التخصص غرب المحافظة، تحمل أبو مصطفى طفليها التوأم وتبدو علامات سوء التغذية واضحة عليهما، يعانيان من نزلة معوية وجفاف وقحة منذ عدة أيام، ونتيجة فشلها في إيجاد الدواء اللازم في الصيدليات جاءت للمشفى بحثا عنه، بجوارها تمتلئ الأسرّة بأطفال يوضعن بأجهزة تباخير وجميعهم أصيبوا بنزلة برد.
تقول أبو بمصطفى لموقع "فلسطين أون لاين" وهي تحمل الطفلين اللذين يواصلان البكاء من ألم المرض: "بحثت عن خافض الحرارة والمضادات الحيوية فلم نجده وهو مقطوع من كافة الصيدليات، وهذا أدى لتفاقم حالة أبنائي".
وأضافت "أطفالي لا يتوقفان عن البكاء، وهذا أكثر شيء مزعج، كما أنني أتردد بشكل مستمر على العيادات بسبب تكرر الإصابة بالأمراض وأحيانا يمرضون ثلاث مرات في الشهر نفسه، نظرا لظروف حياتنا في الخيام وغياب النظافة".
وأدى انتشار الأمراض الفيروسية كالكبد الوبائي والأمراض الجلدية المعدية، لاستنزاف كميات كبيرة من المضادات الحيوية والمراهم التي شحت من القطاع.
وهذا الانقطاع زاد من معاناة الحاجة أم علي أبو زنادة، وأدى لتفشي تقرحات جلدية بجسدها، كذلك لم تجد الدواء اللازم لعلاجها الأمر الذي نغص حياتها فلا تتوقف عن قشط مناطق الألم (حكة) في عملية غير إرادية يفرضها المرض.
تقول أبو زنادة لموقع "فلسطين أون لاين" وهي تنتظر قدوم دورها في طابور مكتظ داخل المشفى: "امتلأ جسدي بالحبوب والحرارة التي تطورت وأصبحت بشكل تقرحات ودمامل نتيجة منع دخول مواد التنظيف، فلم أجد الدواء اللازم".
وتردف بلهجة عامية ممزوجة بالقهر "عمرنا ما وصلنا لهيك حال".
وأمام صيدلية المشفى يقف المراجعون والمرضى في طابور طويل أمام نافذة الصيدلية، وتمتلئ ساحة المشفى والمقاعد المنتشرة في الساحة بمئات المراجعين الذين ينتظرون دورهم، كمان أن المشهد داخل الخيام الطبية المتعددة للطوارئ والقلب والأطفال والعيون والجراحة تمتلئ بالمرضى في مشهد يومي متكرر داخل المشفى، ومماثل لكافة النقاط الطبية على مستوى قطاع غزة.
انتشار العدوى
يقول طبيب أطفال الطوارئ بالمشفى مصعب المبيض، إنهم يعانون من نقص في كثير من المستلزمات الضرورية جدا للتعامل مع الأطفال، كالمحاليل الوريدية وبعض المستلزمات الأخرى مثل التباخير خاصة مع دخول فصل الشتاء وانتشار الأمراض الصدرية، مما يؤثر على الخدمة الطبية التي تقدمها المستشفيات للأطفال والمرضى.
وأضاف المبيض لموقع "فلسطين أون لاين": إن "القسم يعاني كذلك من نقص شديد في المضادات الحيوية بعد نفاد الكميات المتوفرة بسبب انتشار العدوى مثل الأمراض الجلدية التي كانت تتطلب صرف تلك المضادات منها".
ونتيجة شح الأدوية والمستلزمات الطبية، زاد إقبال النازحين في منطقة المواصي غرب محافظة خان يونس على أقسام الطوارئ بالمستشفيات والعيادات الميدانية، فسحب تقديرات المبيض يزور القسم يوميا نحو 400-500 طفل.
وعد ذلك مؤشرًا على انتشار العدوى والأمراض بشكل كبير بين النازحين في ظل تردي الوضع الصحي والخدماتي في الخيام، والازدحام الذي يسهل انتشار العدوى مما يؤدي لإقبال الأهالي على أقسام الطوارئ.
في أحد أقسام المشفى، تبحث الخمسينية سميرة أبو مصطفى عن دواء "الفلاجين والزنك" بعدما فشلت كل محاولاتها منذ ثلاثة أسابيع في إيجادها داخل الصيدليات الخارجية، لعلاجها من "الإسهال".
أما أبو محمد، فكان يحاول إيجاد مرهم لوقف حساسية أصابت منطقة عملية جراحية أجراها في قدمه ولم يجده، يقول: "أنا مريض قلب مفتوح وأعاني من الغضروف، وأجريت عملية جراحية في قدمي، تخيل أنني لا أستطيع وقف مضاعفات أثر الخيوط الجراحية، بالتالي بشكل مستمر هناك حساسية شديدة".
يقول الطبيب محمد كلاب، إن أكثر الحالات التي تصل المشفى تعاني من التهاب الكبد الوبائي والإلتهابات الجلدية، في ظل نقص حاد بالمراهم والمسكنات وأدوية القحة والزنك وكلها غير متوفرة، مما يزيد عدد الوفيات ومضاعفات الأمراض.
وأضاف لموقع "فلسطين أون لاين": "قد تكون بعض حالات الأمراض بسيطة، لكن غياب العلاج يؤدي لتطور وتضاعف الحالات التي تصبح خطيرة".
المستشفيات الحكومية
وتعاني المستشفيات والمراكز الصحية من نقص حاد في الادوية والمهمات الطبية، حيث ان 60% من قائمة الادوية الأساسية و 83% من قائمة المستهلكات الطبية نفذت من مستودعات الوزارة مما سيؤدي الى توقف الخدمات العلاجية بشكل كامل، وابرزها خدمة الطوارئ و العمليات والعناية المركزة و خدمات الغسيل الكلوي والرعاية الصحية الأولية والصحة النفسية، الامر الذي يهدد حياة المرضى والمصابين و الجرحى.وفق وزارة الصحة بغزة
"بدي شاش" لم تتأخر الحكيمة بقسم الطوارئ بمستشفى ناصر الطبي بمحافظة خان يونس، عن رفض طلب الشاب محمود شاهين نتيجة عدم توفره وشحه داخل المشفى.
يقول شاهين لموقع "فلسطين اون لاين": "جئت إلى المشفى واعتقدت أنه سيكون موجودا بعد بحثي في الصيدليات الخارجية ولم أجده، لكن للأسف كان أيضا هنا غير متوفر. لدى طفلي جرح ولا نستطيع لفه بالشاش فقط كل ما نستطيع فعله هو تعقيمه وتركه بدون لفه بشاش".
هذه المشكلة يعاني منها قسم الطوارئ داخل المشفى، فيوضح الطبيب حازم ضهير بأن، القسم يعاني من نقص شديد بالشاش المعقم والإبر الوريدية والمحاليل خاصة المحلول الملحي، مما يؤثر على تقديم الخدمة فنضطر لاستخدام شاش غير معقم وهذا يضر بصحة المريض، كما أن المحاليل التي نستخدمها لا تغني عن المحاليل المفقودة، وعندما يأتي حالات إصابات متعددة نتعامل بالمتوفر من خلال تقنين الاستخدام واستخدامه للحالات الأكثر احتياجا".
كان الطبيب ضهير يرافق حالة وصلت القسم نحو غرفة العناية المركزة، تجلس على كفن مفروش على السرير الطبي كبديل عن المفارش القماشية، يعلق بنظرة أسى: "لا يوجد شراشف طبية وأغطية للأسرة منذ إعادة افتتاح المجمع بعد انسحاب قوات الاحتلال منه".
ويؤثر النقص الحاد في المستلزمات الطبية وفق ضهير على تقديم الخدمة وعلى صحة المرضى، ويؤخر استجابة المريض للعلاج، كما أن غياب الشاش يؤدي لمضاعفات صحية منها التهابات جلدية مما يؤخر خروجهم من المشفى