فلسطين أون لاين

عملية معبر "الكرامة".. نبضُ الأردن ينتصرُ لغزّة

...
غزة - عمان / علي البطة

بعدة رصاصات وقرار جريء، جندل الأردني ماهر الجازي ثلاثة من جنود الاحتلال، ليبرئ ذمته أمام الله ويشهد العالم أن الإبادة "الإسرائيلية" الجماعية في قطاع غزة لها ثمن، وتحرك كل الساحات الساكنة.

ونفذ الجازي عملية إطلاق نار بمسدس، أمس الأحد، في معبر الكرامة، وقتل ثلاثة من أفراد الأمن "الإسرائيليين" ليفتح الباب لنشامى الأردن ليلبوا نداء القدس ويجيبوا صرخات نساء غزة وأطفالها.

عملية متوقعة

الخبير العسكري نضال أبو زيد يرى أن ما حدث يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى، رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي دفع باتجاه تأزيم المنطقة كلها من خلال إصراره على حرب الإبادة الدامية في غزة، التي أسفرت عن 135 ألف شهيد وجريح ومفقود في 11 شهرًا.

وأضاف أبو زيد في حديثه لـ"فلسطين أون لاين": ما حدث أمر طبيعي ومتوقع ردًّا على الانتهاكات "الإسرائيلية" في الضفة والقطاع، مشددًا على أن المسؤولية الأمنية تقع على (إسرائيل).

والجازي هو سائق أردني، لم يحتمل مشاهد القتل اليومية الدامية منذ ما يقارب عام كامل في قطاع غزة، فخبأ مسدسه في شاحنته، واستله ليقتل ثلاثة عناصر أمن إسرائيليين قبل أن يرتقي شهيدًا.

وأشار أبو زيد إلى أن العملية البطولية التي نفذها الشهيد ماهر الجازي تأتي في سياق التوتير الأمني الذي خلقته سياسة حكومة اليمين المتطرف، منبهًا إلى أن هذه ليست العملية الأولى التي تنفذ من الحدود المحيطة الأراضي المحتلة حيث نفّذ جندي مصري في مايو/أيار الماضي أيضًا عملية ضد جنود "إسرائيليين" انطلاقًا من الحدود المصرية، بالتالي متوقع هذا التصعيد الامني تجاه الاحتلال نتيجة كل ما يقوم به من مجازر في الضفة والقطاع.

صوت كل أردني

أما هيثم يوسف الخبير الإعلامي من الأردن، فيؤكد أن هذه العملية البطولية هي صوت لكل أردني شريف وحر.

يضيف يوسف في حديثه لـ"فلسطين أون لاين":  لا أعدها رد فعل فقط أو ثأرًا بل أراها امتداداً للمقاومة الباسلة في فلسطين وتعكس نبض الشارع الأردني وحالة الغليان الداخلية، هي عمل فردي صحيح ولكن أشفت غليل الشارع الأردني والفلسطيني معاً.

ونبّه إلى أن هذه العملية عكست بشكل واضح وصريح نبض الشارع الأردني ومطالب الشعب الأردني بضرورة التحرك ووقف حرب الإبادة.

وقال: الجميع يطمح بأن تكون عملية الكرامة مشجعة وبداية الانطلاق لباكورة من العمليات الفردية النوعية ولكنها ستكون الأكثر صعوبة من حيث الإجراءات الأمنية الكبيرة من الجانب الأردني والإسرائيلي.

ولقيت العملية البطولية ترحيبًا من الفصائل الفلسطينية التي حيت منفذها البطل، ودعت إلى المزيد من العمليات للضغط على الاحتلال لوقف حرب الإبادة التي يرتكبها.

ورأى يوسف أن العملية ستزيد من ضغط الجبهة الداخلية على حكومة نتنياهو، مشيرًا إلى أن تصريحه كان واضحاً في اتهامه للأردن ولبنان وسوريا ومصر.

استمرار الحرب وعدم التوصل لصفقة تبادل سيؤدي – وفق يوسف- إلى حصار الكيان الصهيوني وإلى غليان الشعوب العربية والحمية العربية.

وقال: هذا الغليان سينتشر بين الشباب الأحرار في الدول المحيطة بالكيان.

المركب واحد


بدوره، أكد الدكتور ماجد الخواجا الخبير السياسي من الأردن أن ما جرى على معبر الكرامة ليس خارج السياق وما نشهده يوميًا من ظلم وقهر وقتل عشوائي من الاحتلال "الإسرائيلي" وتدمير ممنهج واستقواء واستعلاء على النظام الإنساني برمّته، ليأتي الرد بصرف النظر عن حجمه وتأثيره.

وشدد الخواجا في حديثه لـ"فلسطين أوم لاين" على أن ما حدث رسالة واضحة أن المركب واحد، مبينًا أن ما صرح به نتنياهو أن كيانه يعيش وسط بيئة حاقدة وكارهة له وأنها تعتنق أيديولوجيا قاسية، متجاهلاً كل التحشيد اليومي داخل الكيان وبث الكراهية والدعوة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، والتنطع بعدم الاعتبار لمفاهيم العلاقات الدولية واحترام سيادة الدول ناهيك عن خرقه لكافة المواثيق الدولية وفي مقدمتها حقوق الإنسان.

وقال: تأتي عملية الكرامة ضمن سياق مجريات الأحداث التي لم تهدأ وما زالت الدماء تنزف في غزّة لتمتد إلى مدن ومخيمات طولكرم والخليل ونابلس وجنين.

وأضاف: ربما تخفت حدّة المسيرات الداعمة والمؤيدة للحق الفلسطيني هنا أو هناك، لكن في الأردن لا مجال لمثل هذا الترف الثوري، فالمصير والجغرافيا والتاريخ والدم تمازج وتماهى في صورة واحدة تعبر عن نسيج اجتماعي ووطني واحد.

وأشار إلى أن إعلام الكيان الصهيوني حاول اختراق صفوف الوحدة الشعبية عبر بث الفتن والعنصرية والكراهية مستخدما الوسائل المتاحة كافة، فجاءت هذه العملية لشهيد الجنوب الأردني المفعم بالأصالة لتفند الروايات والسرديات الصهيونية وتوصيل رسالة مفادها أن الوجع والجرح والحلم واحد. 

لن تكون هذه العملية النوعية -وفق الخواجا- يتيمة ومنفصلة عن مجريات الأحداث الدامية، فكلما زاد الظلم والقهر، علينا أن نتوقع اجتراح البدائل المؤلمة والموجعة للعدو الممعن في عدوانه وهمجيته. 

وأضاف: بل قد تتطور العمليات لتأخذ أشكالاً متعددة ضمن سياقات المقاومة. والمتتبع لتطور مراحل المقاومة الفلسطينية العربية في الداخل والخارج، سيدرك أنها امتلكت الدراية والخبرة الكافية والأدوات المتقدمة لتواجه العدوان الغاشم والمدجج بأحدث وأعتى أنواع الأسلحة.

وشدد الخواجا على أنه لن يكون حل مقبول في المنطقة بالطريقة التي ينتهجها نتنياهو، حتى من داخل معسكره خرج عليه الكثير ممن ينتقدون أسلوبه العدمي في التعامل مع الأزمة.
وتوقع أن يكون هناك تبعات لعملية الشهيد الجازي، لكنها تبعات قد تكون في الجهتين، بمعنى أن يستثمرها نتنياهو أمام العالم لإثبات الكراهية ضد الكيان، ولتبرير ما يقترفه بحق الفلسطينيين.

وأضاف: من جهةٍ ثانية فقد أنهكت الحرب الكيان كما هو الحال على الطرف الفلسطيني المظلوم، ولا يستطيع الاستمرار في توسيع جبهات الحرب شمالا وجنوبا والآن شرقاً. 

بجميع الأحوال فإن هذه العملية -وفق الخواجا- ستعيد ترتيب الأذهان والأفكار وربما الخطط عند جميع الأطراف، فهي غير مسبوقة بهذا الشكل، وهي تدلل على وجود ثغرات أمنية يمكن اختراقها.