نشرت مجلة Politico الأمريكية، تقريرًا قالت فيه إن الطاقة تشكل نقطة ضعف أساسيَّة لـ "إسرائيل" تتحكم في مسار حروبها في المنطقة، إلى جانب كونها أداة دبلوماسية في مكافحة الجهود الرامية إلى عزل "إسرائيل"، في ظل حربها على قطاع غزة.
وتقول المجلة الأمريكية، وإنه في ظل قلة مواردها الطبيعية، ظلت إسرائيل تشعر بالقلق منذ فترة طويلة بشأن الطاقة. وتعمل حصة الأسد من محطات الطاقة لديها بالغاز؛ وكانت إحدى الأمور التي حققتها "إسرائيل" في السنوات الأخيرة تتمثل في فطام نفسها عن الواردات الأجنبية من الغاز بعد اكتشاف نحو ألف مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي قبالة سواحلها ــ وهو ما يعادل نحو سبعين عاماً من استهلاكها الحالي.
ونقلت عن الباحث إيلاي ريتيج، الأستاذ المساعد في الجغرافيا السياسية للطاقة في جامعة بار إيلان في "تل أبيب"، قوله إن الغاز يشكل أيضًا أداة دبلوماسية في مكافحة الجهود الرامية إلى عزل إسرائيل، حيث تشتري الدول المجاورة كميات ضخمة منه.
ويشرح ريتيج: أنه و"بالنسبة للأردن ومصر، سيكون من المستحيل مقاطعة إسرائيل في هذه المرحلة لأن إسرائيل، فهي التي تبقي على الأضواء مضاءة في عمان والقاهرة، وقد يقول البعض إن هذا خفف من حدة رد فعلهم وقيد قدرتهم على انتقاد إسرائيل في حربها على غزة"، وأضاف: "تعاني مصر بالفعل من انقطاع التيار الكهربائي ثلاث أو أربع مرات يوميًا، ويتم إنتاج حوالي 70٪ من الطاقة في الأردن بالغاز الإسرائيلي".
ويشير خبير الطاقة الإسرائيلي، إلى "إن أحد الأسباب التي دفعت "إسرائيل" إلى تجنب حرب على جبهتين، ومواجهة حزب الله وحماس في نفس الوقت، هو أنها لا تستطيع أن تتحمل إغلاق حقلي تامار وليفيثان في نفس الوقت. إن إسرائيل لا تملك أي بديل للغاز. وإذا ضربت هذه الحقول، فإنك بذلك تلحق الضرر بأصدقائك، وليس فقط بأعدائك، لذا فإن تعاون هذه الدول يشكل أيضاً مصدراً للردع".
كيف تؤمن "إسرائيل" حاجتها من النفط؟
تجيب الصحيفة بالقول، شكل الوصول إلى النفط الخام والبنزين والديزل صداعاً كبيراً لصناع السياسات الإسرائيليين منذ فترة طويلة، كما أدت عمليات الحظر التي قادتها الدول العربية في أعقاب الحروب الإقليمية في عامي 1967 و1973 إلى أزمات طاقة مدمرة. ورداً على ذلك، بدأت أجهزة الأمن الإسرائيلية برنامجاً سرياً لتبادل الأسلحة مقابل النفط من الأنظمة الدكتاتورية الأفريقية.
وأوضحت، أنه وفي الوقت نفسه، تواجه "إسرائيل" بالفعل تهديد الهجمات المباشرة على بنيتها التحتية والضغوط المتزايدة على شركائها الأردن ومصر، وهي تشهد أيضا استهداف خطوط إمدادها بشكل متزايد – ولا سيما من قبل جماعة الحوثيين ا في البحر الأحمر.
ويمارس الحوثيون هجمات على حركة الشحن منذ العام الماضي، على الرغم من نشر تحالف بحري غربي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والوقود.وفي حين كانت التأثيرات محدودة حتى الآن، فإن "سوق الغاز الإقليمي أصبح أكثر عرضة للخطر" وقد يصبح جلب الطاقة عبر البحر أكثر تكلفة وتعقيدا، وفقا لدان ماركس، خبير أمن الطاقة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة.
وقال لمجلة بوليتيكو: "نظرًا لأن سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية كان ضيق منذ غزو روسيا لأوكرانيا ومن المرجح أن يظل كذلك حتى عام 2025، فقد يكون لهذا آثار على الأسعار. إن وضع مصر كمركز إقليمي للغاز والضغوط السياسية المحلية بشأن أسعار الطاقة، جنبًا إلى جنب مع التأثير على عائدات قناة السويس، يعني أن لديها عددًا من الأسباب للبقاء على اتصال مع إسرائيل والدفع نحو وقف إطلاق النار".
ولكن بالنسبة لـ "إسرائيل"، فإن احتمال انقطاع التيار الكهربائي مع اقتراب المواجهة من الذكرى السنوية للصراع في أكتوبر/تشرين الأول من الممكن أن يؤدي إلى إحباط معنويات السكان، حسبما قال الخبراء.
وقال ريتيج، الأستاذ بجامعة بار إيلان: "الإسرائيليون ليسوا معتادين على انقطاع التيار الكهربائي. فنحن نعاني من انقطاع التيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات في المتوسط سنوياً، لذا فإن مجرد التفكير في انقطاع التيار الكهربائي لمدة يومين يتسبب في ذعر الإسرائيليين ويدفعهم الآن إلى شراء المولدات".
ورغم أن هذا الأمر تسبب في حالة من الذعر في أماكن مثل "تل أبيب" وبتاح تكفا وبئر السبع في وقت سابق من هذا العام، إلا أنه يشكل معضلة اعتاد عليها أهل غزة لسنوات طويلة، كما ألحق القصف الذي استمر عشرة أشهر أضراراً بالغة بالبنية الأساسية المدنية، كما يتم تقنين توزيع الطاقة إلى حد كبير حيثما تتوفر.
بعضها من دولٍ عربية.. ما هي مصادر وقود الطائرات "الإسرائيلية" التي تقصف المدنيين بغزة؟
وفي الإطار، وقبل أشهر، كشف تحليل أجرته شركات بريطانية، ونقلته صحيفة The Guardian البريطانية، أن "إسرائيل" اعتمدت بدرجةٍ كبيرة منذ بدء الحرب على قطاع غزة على إمدادات الوقود الأحفوري، لتزويد الطائرات والدبابات "الإسرائيلية"، التي تقصف الفلسطينيين بالقطاع المحاصر، وتقتل المدنيين العزل.
وأجريت هذه الدراسة التحليلية من قبل شركة Data Desk الاستشارية البريطانية لتحليل البيانات، بتكليفٍ من مؤسسة Oil Change International غير الربحية المناصرة للطاقة المتجددة، معتمدةً على تتبع مواقع السفن، والتدفقات التجارية للسلع الأساسية، والمعلومات الواردة من سلطات الموانئ وسماسرة السفن وصور الأقمار الاصطناعية، علاوة على التقارير المالية والإعلامية.
وبحسب التحليل، تعتمد "إسرائيل" على النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة القادمة من الخارج لتشغيل أسطولها الكبير من الطائرات المقاتلة والدبابات والمركبات العسكرية، حيث تتولى تزويدها بالوقود مجموعة من أكبر شركات الوقود الأحفوري في العالم، ودافعو الضرائب الأمريكيون.
وتشمل شركات الوقود الأحفوري، بحسب التحليل، من أذربيجان وكازاخستان وروسيا والبرازيل والجابون والولايات المتحدة، ويتولى إتاحة هذه الإمدادات مجموعة من شركات النفط الكبرى، تشمل شركة "بريتش بتروليوم" و"شل" البريطانيتين، و"شيفرون" و"إكسون موبيل" الأمريكيتين، و"توتال إنرجيز" الفرنسية.
وأوضح التحليل، أن "إسرائيل" استقبلت 3 ناقلات أمريكية محملة بوقود الطائرات "جي بي 8" في صيغة مساعدات عسكرية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد غادرت إحداها الولايات المتحدة قبل بدء الهجوم الحالي على غزة في 22 سبتمبر/أيلول من العام نفسه.
وأشار إلى، أن السفن التي تنقل النفط والوقود إلى "إسرائيل" عمدت في الآونة الأخيرة إلى إيقاف إشارة نظام التعرف الآلي (AIS) قبل الوصول إلى المواني الإسرائيلية، ربما لأسباب أمنية.
حيث كشف التحليل أن الناقلتين الأمريكيتين الثانية والثالثة أبحرتا إلى "إسرائيل" بعد بدء الحرب على غزة، فقد بدأت الثانية رحلتها إلى "إسرائيل" في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، أي بعد أن قتلت الطائرات "الإسرائيلية" بالفعل أكثر من 16 ألف فلسطيني؛ وأبحرت الناقلة الثالثة من تكساس في 9 فبراير/شباط، أي بعد أسبوعين من صدور الحكم المؤقت لمحكمة العدل الدولية بأن أفعال إسرائيل في غزة من المعقول أن تندرج تحت جرائم الإبادة الجماعية.
وتشير صور الأقمار الاصطناعية إلى ظهور الناقلة في ميناء عسقلان الإسرائيلي في 6 مارس/آذار، وقد كان عدد القتلى الفلسطينيين وقتها قد بلغ 30 ألف شخص.
وفيما يتعلق بشحنات من النفط الخام، أشارت البيانات أيضًا إلى أن "إسرائيل" تتلقى شحنات صغيرة نسبيًا، وإن كانت منتظمة، من النفط الخام عبر خط أنابيب "سوميد"، وينقل خط الأنابيب هذا النفطَ الخام من السعودية ومصر والعراق والإمارات، وهي دول عربية انتقدت جميعها علنًا الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة.
مشاركة بجرائم الحرب
بدوره، قال ديفيد بويد، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة: "إن الدول والشركات التي واصلت إمداد الجيش الإسرائيلي بالنفط بعد قرار محكمة العدل الدولية تُسهم في انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، وربما تكون مشاركة في جريمة إبادة جماعية".
فيما قال بيتر فرانكنتال، مدير الشؤون الاقتصادية في منظمة العفو الدولية في بريطانيا: "يجب على شركات النفط التحقق من أنها لا تساعد في ترسيخ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ولا تشارك في تأجيج جرائم الحرب والإبادة الجماعية المحتملة في غزة"، ويتعيَّن على كل شركة تربطها علاقات تجارية بالجيش الإسرائيلي أن تُولي هذا الأمر "العناية الواجبة".
وقالت آلي روزنبلوث، مديرة القسم الأمريكي في شركة Oil Change International، إن الدول وشركات النفط الكبرى التي تغذي آلة الحرب الإسرائيلية، مشاركة في الإبادة الجماعية المستمرة للشعب الفلسطيني، لا سيما الولايات المتحدة التي أمدَّت الجيش الإسرائيلي بالوقود مباشرة، وبأكثر من 100 صفقة أسلحة منذ بدء الحرب، ولذلك لا بد أن تخضع للمساءلة عن الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي".