قبل أن تشن سلطات الاحتلال حربها الأخيرة على قطاع غزة، كان القطاع قد حقق نجاحات كبيرة في الوصول إلى نسبة اكتفاء ذاتي في المحاصيل الزراعية، مما مكّن المواطنين من الحصول على هذه المحاصيل بأسعار مناسبة.
إلا أن هذا الوضع تغير تماماً بعد أن استهدفت الحرب الإسرائيلية الدونمات الزراعية، مما أدى إلى تدمير التربة الخصبة، والآبار، وخطوط الإمداد.
نتيجة لذلك، اضطر القطاع للاعتماد على المنتجات المستوردة التي تباع بأسعار مرتفعة تفوق قدرة المواطنين البسطاء.
عبد الهادي أبو سعيد، مزارع من مخيم المغازي وسط قطاع غزة، أفاد بأن الحرب أدت إلى تدمير كبير للأراضي الزراعية في المنطقة.
وأوضح في حديثه لـ"فلسطين أون لاين" أن لديه خمسة دونمات زراعية في المنطقة الشرقية للمخيم، كان يزرعها بمحاصيل البطاطا، البندورة، الفلفل، الباذنجان، وأشجار الزيتون، إضافة إلى تخصيص جزء منها لتربية الأغنام.
وأشار أبو سعيد إلى أنه لم يتمكن من الوصول إلى أرضه منذ اجتياح الاحتلال للمناطق الشرقية لمخيم المغازي، مما أدى إلى خسارته لكل المحاصيل الزراعية.
وتسببت الدبابات المتوغلة في تدمير بركاسات التربية الخاصة به، وتحويل أرضه إلى قاحلة.
وذكر أبو سعيد أن خسائره تجاوزت 300 ألف دولار، ونوه إلى أن منتجاته الزراعية كانت تغطي احتياجات السوق المحلي في منطقة المغازي، بينما كان الفائض من هذه المنتجات يُباع لتجار التجزئة والبائعين الذين كانوا يتعاقدون معه لشراء الفائض، مما جعل منتجاته الزراعية تغطي معظم المحافظة الوسطى.
وأشار أبو سعيد إلى أنه كان يطالب وزارة الزراعة بمنحهم الفرصة لطرح منتجاتهم المحلية في السوق قبل السماح بدخول المنتجات المستوردة.
لكنه أكد أن الحال اليوم اختلف تماما، فليس لديهم منتج محلي يُذكر، بينما المنتجات المستوردة شحيحة جداً ومرتفعة الأسعار، خاصةً تلك التي تعد أساسية مثل البطاطا والبندورة، فيما أصبحت أسعار الفواكه مرتفعة ولا تتناسب مع القدرة الشرائية لمعظم المواطنين.
من جانبه، أوضح المزارع خليل أبو مرعي أن المزارعين كانوا في مثل هذا الوقت من كل عام يتفقدون أشجار الزيتون استعدادًا لقطف ثمارها وبيعها للتخليل والعصر، لكن هذا "العرس الوطني" الذي كان مصدر فخر لم يعد موجودًا.
فالأراضي التي بقيت في المناطق القريبة من الحدود باتت خارج نطاق السيطرة، حيث يخشى المزارعون الوصول إليها بسبب التهديدات المستمرة من قوات الاحتلال، خصوصًا أن الطائرات المسيرة المعروفة بـ"الكواد كابتر" تطلق أعيرتها النارية صوب أي جسم يتحرك.
ولفت أبو مرعي إلى أن مزرعته، التي كانت مليئة بأشجار الزيتون من مختلف الأصناف كالسري والنبالي، أصبحت الآن خاوية على عروشها، مشيرا إلى أن ذلك يمثل خسارة فادحة جداً له وللمزارعين الآخرين.
من جهته، أوضح المزارع إسماعيل أبو عبدو أن قطاع غزة كان قبل الحرب من أبرز منتجي الخضروات، حيث تمكن من تحقيق نسبة اكتفاء ذاتي تصل إلى 90%. لكن اليوم، وبعد تدمير الأراضي وتلوثها، اضطرت غزة إلى استيراد معظم احتياجاتها الزراعية.
وأكد أن تدمير الأراضي لم يكن الخسارة الوحيدة؛ فالحرب تسببت أيضاً في تلوث مصادر المياه الجوفية، مما أثر على جودة المياه المستخدمة في الري، وجعل من إعادة زراعة الأراضي أمراً صعبة.
وأشار أبو عبدو إلى ان انخفاض الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار المنتجات المستوردة خلقا فجوة كبيرة في السوق، ونوه إلى أن إعادة إحياء القطاع الزراعي سيحتاج إلى استثمارات ضخمة وإصلاحات جذرية، مما يضيف عباً إضافياً على كاهل الاقتصاد المنهك.
وشدد على أنه بدون دعم خارجي لإعادة تأهيل شامل للبنية التحتية، قد يصبح تحقيق الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية صعبا.