تحدث طبيب تخدير في هيئة الخدمات الصحية الوطنية من مقاطعة لانكشاير البريطانية، دكتور مات نيوبورت عن تجربة مؤثرة خلال مهمته الإنسانية في غزة، استمرت شهراً، حيث عمل مع منظمة UK-Med الخيرية لمساعدة المدنيين المصابين في حرب الإبادة الإسرائيلية، وهي زيارته الثالثة هذا العام لغزة التي مزقتها الحرب.
وقال الطبيب البريطاني، (37 عامًا)، إنَّ "العدد الهائل من الأطفال والنساء الجرحى هو الذي ترك تأثيراً حقيقياً عليّ، بما في ذلك الأطفال الذين يبلغ عمرهم يوماً أو يومين ويزنون بضعة كيلوغرامات فقط."
واستذكر إحدى الغارات العنيفة، والتي سرعان ما أعقبها توافد كبير للجرحى والشهداء بينهم طفل أثارت قصته وتفاصيلها أثرًا كبير على قلب الطبيب البريطاني.
ويقول: "في 7 يوليو/تموز إلى وصول 30 مصاباً من خانيونس إلى قسم الطوارئ لدينا على مدار ساعتين. وبعد أن استقرت الأمور، وجدنا سبع جثث في مشرحتنا، بما في ذلك طفل صغير جداً أصيب برصاصة في القلب وتوفي فور وصوله إلى المستشفى.
ومن بين هؤلاء الضحايا، يقول الطبيب مات، أحضر والد الطفل معه، وكان على وشك الموت بعد إصابته برصاصة في الرأس. مضيفًا: "من المؤسف أنني كنت أتجنب التواصل البصري مع والدة الأسرة، لأنني لا أعرف ما إذا كنت سأتمكن من الصمود بينما أفكر في زوجتي وابنتي البالغة من العمر عامين في المملكة المتحدة".
وأردف الطبيب البريطاني: "باعتباري أباً لأول مرة لطفل يبلغ من العمر عامين، فإن رؤية الأطفال النازحين والخائفين واليتامى والمصابين بجروح خطيرة كانت أمراً صعباً للغاية. كان هناك طفل صغير سيبقى في ذاكرتي، حيث كان يعاني من إصابات في جسده بالكامل لا يمكن رؤيتها في المملكة المتحدة.
"ربما كان عمره ثماني سنوات. تم فتح بطنه وإصلاح أمعائه المصابة، بينما تم بتر ساقه اليمنى من عند الورك وذراعه اليسرى من عند الكوع. ورغم جهودنا الحثيثة، فإن تأثير الإصابات التي تعرض لها كان له أثر بالغ على جسده البريء تماماً، وتوفي في غرفة العمليات. وقفنا حوله، أنا وأحد أفراد طاقم الصحة المحليين، في لحظة تأمل هادئة. ثم لفوا جسده بقطعة قماش بيضاء وأخذوه إلى أسرته."
لقد دعم مات طاقم العمل في مستشفى الأقصى ولعب دوراً رئيسياً في إنشاء وتطوير مستشفى الطوارئ الميداني التابع لمؤسسة المملكة المتحدة في المواصي. تدفع مؤسسة المعونة البريطانية رواتب المتطوعين الطبيين مثل مات الذين يقومون بالأدوار العادية لضمان عدم تأثر هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
وقال: "القتال الشرس في رفح على مرمى البصر من مستشفانا الميداني، وهو ما يعني الكثير من الانفجارات وإطلاق النار وتدفق مستمر من مرضى الصدمات. في إحدى الليالي الأولى من مهمتي الأخيرة، وقعت حادثة سقوط عدد كبير من الضحايا، حيث تم نقل نحو 35 جريحا إلى المستشفى. توفي أربعة منهم متأثرين بجراحهم، ولكنني أحاول التركيز على أولئك الذين تمكنا من إنقاذهم. لقد كان الأمر أشبه بحزام ناقل مروع، على الرغم من أن كل مريض كان لديه قصته الخاصة. وتراوحت الحالات بين البالغين والأطفال الذين أصيبوا بجروح ناجمة عن طلقات نارية وبتر مؤلم وإصابات مروعة أخرى."
وأضاف: "أعتقد أنه في بعض الأحيان يضيع وسط كل هذا العنف أن هناك الكثير من الناس الذين يعانون من حالات طبية خطيرة قائمة ويحتاجون إلى علاج عاجل مثل السرطان والسكري وأمراض القلب أو مشاكل الكلى التي تحتاج إلى غسيل الكلى. كل هذا توقف.
ويشير إلى، إحدى الحالات الصعبة التي تعامل معها هي حالة طفل رضيع مصاب بحروق تهدد حياته بعد أن سقط في وعاء من الماء المغلي كانت عائلته تستخدمه للطهي لأنها كانت تعيش في خيمة بعد نزوحها من منزلها بسبب الحرب.
وقال: "بصفتي طبيب تخدير، فإن هذا التنوع جعلني أظل على أهبة الاستعداد، والخبرة المكتسبة من العمل مع مثل هذا التنوع من الإصابات في موقف شديد التوتر تجعلني أشعر بالاستعداد لأي شيء قد يلقيه عليّ نظام الخدمات الصحية الوطنية.
ويوضح الطبيب مات، أنه تجربته بغزة جعلت منه طبيباً أفضل. "لقد عالجنا إصابات مؤلمة لا تشبه أي شيء اعتدت رؤيته في المملكة المتحدة حيث تتعامل مع حوادث طرق خطيرة وطعن وإطلاق نار عرضي، على الرغم من أنها ليست بنفس شدة ما شهدته في غزة."وفق توصيفه.
وأضاف: "عند عودتي إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية، لدي أي معدات أو أدوية أحتاجها في أي وقت، ويحزنني حقاً أن الأطباء الفلسطينيين الممتازين الذين عملت معهم غالباً ما لا يملكون الموارد الأساسية من دون أي خطأ من جانبهم."
يقول مات من رامسبوتوم، الذي عاد من غزة في 28 يوليو/تموز بعد مهمته الثالثة، إن تركيزه على مساعدة الناس ساعده على التعامل مع الخطر المستمر. وقال: "لقد تغير الكثير في مهمتي الثالثة. فقد اضطررنا إلى التخلي عن بيت الضيافة الذي كنا نقيم فيه سابقاً، لأنه أصبح الآن خارج 'المنطقة الإنسانية'، وبالتالي كنا ننام في خيام في أرض المستشفى.
"كانت المعارك الشرسة في رفح في مرمى بصر مستشفانا. وكان صوت إطلاق النار والانفجارات في المناطق المجاورة بمثابة المنبه الصباحي الذي كان يستمر طوال النهار والليل. ولم يعد هذا الصوت سوى ضجيج في الخلفية. وكان الدمار يبدو مروعاً. لقد اعتدنا على الاستيقاظ في الليل على أصوات انفجارات هائلة وموجات انفجارية تهز الأسلاك الشائكة المحيطة بمجمعنا، والتي غالباً ما تتبعها أصوات صفارات سيارات الإسعاف. لقد أصبح هذا الحدث شائعاً لدرجة أنك تعود إلى النوم."
وأضاف: "إن موظفي المستشفى المحلي يعانون من وضع أسوأ بكثير منا. أعلم أنني سأعود إلى المنزل بأمان. كانوا يأتون إلى المستشفى كل صباح، غالباً على ظهور الحمير والعربات من مخيمات النازحين، ويمكنك أن ترى التوتر والخوف في عيونهم. لا أستطيع أن أتخيل كيف يجدون الشجاعة للقدوم إلى العمل في الأجنحة، ناهيك عن علاج ورعاية ما يزيد عن 500 مريض يومياً."
وتدير منظمة UK-Med الآن مستشفيين ميدانيين بتمويل من وزارة التنمية الدولية البريطانية، في المواصي ودير البلح، وقد عالجا حتى الآن أكثر من 100 ألف مريض في غزة.
وقال مات: "إن النتيجة المؤسفة لأي صراع هي أن المدنيين الأبرياء يقعون ضحية له دون أي خطأ من جانبهم على الإطلاق. آمل أن تشعر ابنتي ميريديث يوماً ما بالفخر لأن والدها وقف تضامناً مع البشر الذين يعانون لإظهار لهم أنهم ليسوا وحيدين وأن الناس يهتمون بهم."