يتعدى انتخاب يحيى السنوار، رئيسًا لحماس، أثره متعدّد الأبعاد في حماس وسياساتها، ليؤثر في الوضع الفلسطيني كله. ويتجسّد هذا الأثر، في وضع السنوار في موقع القائد الوطني الفلسطيني، بشبه إجماع شعبي، كما بشبه إجماع على مستوى فصائل المقاومة، ولو موضوعيا، ولو بتحفظ من البعض، من دون رفض، ولو برفضٍ أكيد من جانب محمود عباس باعتباره، رئيسا لمنظمة التحرير والسلطة في الضفة الغربية.
تعتبر هذه المعادلة الناجمة عن قيادة السنوار لطوفان الأقصى، والحرب الدائرة منذ عشرة أشهر ونيف في قطاع غزة، ثم بعد انتخابه رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، وما تبع ذلك من تهنئة وتمنٍ بالتوفيق والنجاح وتصعيد للمقاومة من قِبَل أغلب الفصائل، بمقياس السعي الفلسطيني من قِبَل كل الفصائل، وكل مؤتمرات النخب، خطوة متقدّمة لأمل تشكل قيادة فلسطينية موحدّة.
إن التجربة الفلسطينية في السعي لتحقيق الوحدة الوطنية، والوصول إلى قيادة موحدّة، أثبتت الفشل المتراكم عشرات السنين في إنجاح هذا السعي. بل كان الوضع يزداد انقساما وتباعدا بعد كل حوار أو لقاء، ومن ثم وصل الأمر إلى إعلان اليأس من إمكان تحقيق هذين الهدفين: الوحدة الوطنية بين الفصائل، وتشكل قيادة موحدّة.
بل انتقلت المقاومات في الضفة للعمل والمواجهة بوجود الانقسام، ومن دون الوصول إلى اتفاق أو توافق. وتصاعدت المقاومة المسلحة في قطاع غزة (أربع أو خمس حروب قبل طوفان الأقصى)، كما تصاعدت المقاومة في الضفة الغربية إلى مستوى تشكل كتائب مسلحة، واشتباكات في عدة مدن وقرى ومخيمات بينها وبين الجيش الصهيوني. وكذلك الاشتباكات في ساحات المسجد الأقصى، وما حوله في شرقي القدس، وقد ثبت أن المقاومة غير مرتبطة بوجود قيادة فلسطينية موحدّة.
وهذا يعني أن السعي لتحقيق الوحدة الوطنية والقيادة الموحدة في واد، والمقاومة والاشتباكات في مواجهة الاحتلال كانت في واد آخر. وقد وصلت هذه المفارقة أوجها في عملية طوفان الأقصى، وما تبعها من الحرب البريّة، وحرب الإبادة طوال عشرة أشهر (وما زال الحبل على الجرار).
على أن هذه التطورّات في الحرب في غزة، كرسّت وجود قيادة كفؤة، إلى جانب أسطورية ما حققته المقاومة من انتصارات عسكرية ميدانية، وما حققه الشعب من معجزة صمود في مواجهة حرب إبادة وحشية إجرامية، لا مثيل لها من حيث مدتها وضحاياها ودمارها، وحدوثها أمام شهود عالمي، بالصوت والصورة، وعلى مرأى من الشوارع.
هذه التطورات ولدت إلى جانب ما تقدّم بروز قيادة للمقاومة على رأسها يحي السنوار ومحمد الضيف وإخوانهما.
وقد تمتعت تلك القيادة بالالتفاف الشعبي الفلسطيني حولها، وبدعم أغلب الفصائل، حتى من داخل حركة فتح وقواعدها وكوادرها.
ولكن بالطبع بسبب خصوصية الوضع الفلسطيني، لم تأخذ شكل وحدة وطنية، ولا شكل قيادة وطنية موحدّة (ثمة تحالف في غزة بين حماس والجهاد والجبهة الشعبية وفروع الفصائل المشاركة)، وذلك كما كان من الواجب أن يحصل على المستوى الفلسطيني العام، بإعلان توحيد الفصائل خلف قيادة المقاومة، وإعلان قيادة المقاومة قيادة للشعب الفلسطيني، كما راحت تقود الحرب المصيرية في قطاع غزة طوال عشرة الأشهر، والآتي من الأشهر.
وهذا ما يؤكده، من ناحية ثانية، تركيز نتنياهو وأمريكا على اعتبار قتل السنوار ورفاقه، الهدف الأول للحرب ضد الشعب الفلسطيني والمقاومة، كما عزلهم بتهمة ارتكاب "جريمة" عملية طوفان الأقصى، مما يوجب دعمهم، والتأكيد على تأييدهم قادة لمقاومة مشروعة، تعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني.
وبكلمة، يجب أن تكون الخطوة الثانية، كمحصلة للحرب في غزة، وبعد أن أُعلن يحيى السنوار رئيسا لحماس، أن يُعلن قائدا للشعب الفلسطيني في هذه الحرب.
إنه قائد مؤيّد، متفق عليه، من قِبَل فصائل المقاومة، وهذا من دون المساس في وضع م.ت.ف ورئيسها، استبعادا لأيّ صراع داخلي فلسطيني- فلسطيني، فيما الأولوية تتطلب توحيد كل الجهود، وراء قيادة المقاومة التي على رأسها يحيى السنوار، من أجل تحقيق الانتصار في هذه الحرب.