بعد مئات المجازر ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي يندى لها جبين الإنسانية، وبعد استشهاد وجرح ما يقارب 150 ألف فلسطيني، وبعد عشرة أشهر من القصف والذبح لسكان قطاع غزة، وبعد تدمير مقومات الحياة في كل مناطق غزة، لم يبق أمام الأنظمة العربية مبرر لمواصلة التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ولم يبق للأكذوبة الصهيونية عن العلاقات الدبلوماسية، وبقاء السفراء الصهاينة في بعض العواصم العربية ملجأً.
فمتى يفيق العرب من غفلتهم؟ متى يدرك قادة العرب أن الحرب على غزة لا تستهدف أرض غزة، ولا أهل غزة وحدهم، المعركة على أرض غزة تستهدف العرب كلهم، ومنطقة الشرق كلها، وغزة تخوض معركة فاصلة في تاريخ شعوب المنطقة، لذلك نلاحظ أن قيادة العدو الإسرائيلي تجهد لتوسيع مجال المعركة، بحيث تشمل كل منطقة الشرق الأوسط، مع الحرص على زج أمريكا في الصراع، بهدف رسم معالم المنطقة وفق المشيئة الإسرائيلية لعدة عقود قادمة، كما أكد على ذلك الرئيس الأمريكي بايدن.
إن الصمت العربي الرسمي، وعدم الحراك الشعبي العربي الفاعل، والمقاوم للعدوان الإسرائيلي مثل الغطاء الشرعي للمجازر الإسرائيلية، ولو أدرك العدو الإسرائيلي أن 450 مليون عربي يعيشون في 22 دولة عربية، سيغضبون، ويثورون، ويتحركون في العواصم ضد العدوان، لعمل لهم الصهاينة ألف حساب، وأدرك العدو أن للعرب وزناً، وأنهم بشرٌ يحسون ويتألمون، ويتنفسون، ولهم كرامة ومكانة بين الأمم، ويرفضون أن يستفرد الوحش الصهيوني بأهل غزة، وهم يتفرجون.
450 مليون عربي وضعهم الجبروت الإسرائيلي في قفص المذلة والمهانة، بعلم ورضا وتدجين قادة الأنظمة العربية، الذين اكتفوا بإصدار بيانات الشجب والاستنكار والإدانة للمجازر، دون أن يحركوا ساكناً، ودون أن تهتز لبياناتهم شعرة في جسد العدوان الإسرائيلي.
وإذا كان أهل غزة يلومون الأنظمة العربية على قصورها، ويلومون الشعوب العربية على غفوتها وتغييبها، فإن الملامة الأكبر لتقع على عاتق قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى قيادة السلطة الفلسطينية، والتي غابت عن الفعل، وغابت عن الحضور، واكتفت على مدار عشرة أشهر في إصدار بيانات الإدانة للعدوان الإسرائيلي على غزة، دون أن تتخذ خطوة عملية واحدة، فلا السلطة أوقفت التنسيق الأمني، ولا أوقفت ملاحقة المقاومين، والاشتباك معهم في شمال الضفة الغربية ووسطها، وما زالت السلطة الفلسطينية تحول دون المواجهات العنيفة بين الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وبين الصهاينة.
المطلوب من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن ترد على العدوان الإسرائيلي بالتحلل من اتفاقيات أوسلو، على أقل تقدير، والعمل الجاد على تطبيق اتفاقية مؤتمر بكين، ألتي وقع عليها الشهيد إسماعيل هنية، والمناضل محمود العالول، الوثيقة التي تطالب بتشكيل حكومة توافق وطني، وقد مضى على توقيع الاتفاقية قرابة عشرين يوماً، دون أن تُشكَّل هذه الحكومة، والتي تشكِّل مخرجاً لحالة الانقسام الفلسطينية، وتعطي دفعة معنوية قوية للشعب الفلسطيني.
المجازر الإسرائيلية نتاج الواقع العربي البائس، ونتاج الحالة الفلسطينية الهامدة، ولو ادرك عدونا أن في الأفق مواقف عملية من قبل السلطة الفلسطينية، والأنظمة العربية، لعمل ألف حساب قبل اقتراف مجزرة مدرسة التابعين، والتي فجرت المظاهرات والمسيرات في كثير من البلدات الأوربية، حتى خرج المتظاهرون في العاصمة الإسبانية مدريد، يطالبون بطرد السفير الإسرائيلي، في الوقت الذي لم تخرج فيه مظاهرة واحدة في العواصم العربية، ولم تعقد جامعة الدول العربية اجتماعاً، ولم يطالب أحد بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، في رسالة خذلان تشجع العدو الإسرائيلي على مواصلة العدوان.