لا يمكن أن ينسى المحتفلون بتحرر الأسرى الفلسطينيين في صفقة التبادل (شاليط - وفاء الأحرار) أكتوبر/ تشرين أول 2011م، مشهد خروج يحيى السنوار من نافذة الحافلة والتلويح بيديه سرورًا بالحرية والعودة لغزة.
كان هذا اللقاء الأول الذي جمع الجيل القديم والحديث بالمقاتل الذي برز دوره في الانتفاضة الفلسطينية الأولى وغيبته السجون الإسرائيلية 23 عاما.
ومنذ ذاك المشهد، برز اسم الأسير المحرر بين حين وآخر لأبناء شعبه كقائد وطني يسعى لإتمام الوحدة والشراكة الفلسطينية، وتارة شخصية عسكرية تسعى لـ"إذلال (إسرائيل)" والوفاء لزملائه الذين تركهم في الأسر وأخرى بمواقفه الإنسانية والجماهيرية.
وبحسب الباحث السياسي حسن كمال فإن السنوار الذي تولى رئاسة حركة حماس في غزة لأول مرة عام 2017م جعل المصالحة والشراكة الوطنية من أولويات مهام عمله.
وتقلد رئاسة الحركة في غزة دورتين متتاليتين، الأولى بدأت عام 2017 والثانية بدأت عام 2021.
والثلاثاء الماضي، أعلنت حماس اختيار أبرز المطلوبين لدى (إسرائيل)، رئيساً لمكتبها السياسي خلفاً لإسماعيل هنية الذي اغتالته الأخيرة في العاصمة الإيرانية.
واستدل كمال في حديثه لمراسل "فلسطين أون لاين" بمحاولات السنوار المتكررة إتمام المصالحة الوطنية مع حركة "فتح"، وتحسين العلاقات الوطنية أيضا مع التيار الإصلاحي في حركة "فتح" بقيادة محمد دحلان.
وخلال رئاسته الأولى لحركته في غزة، ذهب آنذاك برفقة فصائل العمل الوطني والإسلامي والمؤسسات الوطنية والحقوقية إلى إطلاق (مسيرات العودة) التي بدأت بتاريخ 30 مارس/آذار 2018م.
وأشار كمال إلى أن السنوار لم يكن داعما وراعيا لمسيرات العودة وتعزيز العمل بين الفصائل والمؤسسات الوطنية فقط بل ذهب لأبعد من ذلك نحو تعزيز العلاقات الفلسطينية مع أنظمة عربية وأخرى شريكة في "محور المقاومة".
وخلال مشاركة سابقة للسنوار في مسيرات العودة، خاطب الجماهير قائلا: إن "هذه المسيرات حالة وطنية .. ولينتظروا (إسرائيل) زحفنا قريباً".
"طوفان الأقصى"
ولأجل إسناد المسيرات الشعبية بمقاومة مسلحة، قاد آنذاك جهود تأسيس "الغرفة المشتركة" لفصائل المقاومة والتي بدأت عملها الموحد والمطور في 23 يوليو/ تموز 2018 بمشاركة 12 جناحا وذراعا عسكريا في غزة.
ووفقا لرأي الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن فإن منهجية السنوار خلال السنوات الماضية كانت تشير إلى عدة مسارات وصولا لـ"حالة جمعية فلسطينية واضحة".
وأكد محيسن لمراسل "فلسطين أون لاين" أنه لأجل السير في تلك المسارات اتخذ رئيس حماس خطوات تنازلت فيها حركته لصالح "الشأن الوطني" العام.
وعدّ خطوات رئيس حماس في غزة نحو المصالحة الوطنية وتشكيل "الغرفة المشتركة" و(الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة)، دليل على "تفكير ومسار وطني واضح".
وخلص إلى أن منهجية (هذا الرجل) بمثابة رسالة للشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه: "أنه لا يمكن الوصول إلى حل مع (الاحتلال الإسرائيلي) إلا بوحدة موقف فلسطيني جامع، وبمواجهة شاملة".
وقال: "يسجل لهذه الشخصية (السنوار) أنه قدم الشأن العام الوطني في جميع محطات عمله".
وذكر أن تعين حركة حماس رئيسا جديدا لمكتبها السياسي بعد اغتيال "هنية"، دليل على تمتع الحركة بـ"حضور سياسي يمكنها من إعادة ترتيب صفوفها القيادية والتواصل مع مفاصل العمل التنظيمي بشكل هادي ومطمئن".
وتعتبر (إسرائيل) هذا "الرجل الحي الميت" بأنه "مهندس الطوفان".
وأكد الكاتب والمحلل السياسي أنه في نهاية الأمر لا تزال التحولات الاستراتيجية عالميا من وراء "طوفان الأقصى" لصالح القضية الفلسطينية.
و"طوفان الأقصى" عملية شنتها المقاومة فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشملت هجوما بريا وبحريا وجويا وتسللا للمقاومين إلى عدة مستوطنات داخل الأراضي المحتلة عام 1948م.
وأعلن عن العملية قائد الأركان في كتائب القسام محمد الضيف، وتعتبر أكبر هجوم للمقاومة الفلسطينية والعربية ضد دولة الاحتلال منذ قيام كيانها المزعوم.