توعدت إيران عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في عاصمتها طهران بالانتقام له، وتوعّد المرشد الأعلى علي خامنئي "الكيان الصهيوني" بردٍّ قاسٍ، مؤكدا أن الانتقام لدم هنية "من واجبات بلاده لأن الاغتيال وقع على أراضيها".
وعلى وقع الصدمة التي سادت البلاد جراء وصول يد الغدر إلى الضيف، وبرفع "راية الثأر الحمراء" فوق قبة جمكران بمدينة قم، يصبح الانتقام حتميًا، إذ اعتاد متابعو الشأن الإيراني هذه المشاهد كلما صدرت الأوامر من المرشد الأعلى بالانتقام، والذي سبق وأطلق تهديدًا مماثلاً ردًا على اغتيال الإدارة الأميركية السابقة القائد السابق لفيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. وردّ الحرس الثوري بقصف قاعدة "عين الأسد" العراقية التي تؤوي جنودًا أميركيين.
وتترقب "إسرائيل" ردًا عسكريًا من إيران وحزب الله، إذ رفعت حالة التأهب إلى الدرجة القصوى، بعد اغتيال هنية في طهران فجر الأربعاء، وإعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء.
ووضع خبراء ومحللون عدة سيناريوهات لطبيعة الرد الذي تنوي إيران توجيهه إلى "إسرائيل"، بعد عملية الاغتيال التي تعرض لها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو/تموز الماضي.
من جهته، يرى العميد المتقاعد في الحرس الثوري الإيراني منصور حقيقت بور -في تصريحات للجزيرة نت- أن الرد الإيراني سيكون "هجينا وصارما ورادعا"، أي أنه سيكون عبارة عن عمليات عسكرية مركبة (هجينة) تأخذ أشكالا مختلفة.
سيناريوهات محتملة
من جانبه، يتحدث الباحث في الشؤون الأمنية محمد قادري عن "عمليات هجينة" ضمن السيناريوهات المحتملة للانتقام الإيراني. وأوضح أن "الهجومين الإسرائيليين على الضاحية الجنوبية وطهران طالا الدماء الفلسطينية واللبنانية والإيرانية، ولا بد من رد متوازنٍ يشكّل تحديا حقيقيا يتجاوز العمليات العسكرية، وقد يشمل الحرب السيبرانية والنفسية والأمنية".
وبرأي قادري، فإن "الانتظار نصف الرد، وإبقاء الاحتلال واقفا على رجل ونصف لفترة غير محدودة بإمكانه أن يشكّل أحد السيناريوهات المحتملة لتنفيذ الانتقام على مراحل وليس مرة واحدة، بغية رسم خطوط حمراء وفق الإرادة الإيرانية".
أما الخبير الأمني والعسكري أسامة خالد فيرى، أن "إيران في موقف حرج للغاية، وأنها أمام اختبار حقيقي ومنعطف حاد جدا، وهي بحاجة لرد جدي ومؤثر يتناسب مع ما جرى على أرضها من مساس بسيادتها واغتيال ضيفها وكسر هيبتها الأمنية في المنطقة".
ويرى أسامة خالد أن "الموقف السياسي حرج لدى طهران، وهي بحاجة لخطوات جادة وحاسمة لترميم قواعد الاشتباك وإعادة الردع وهيبة الدولة"، ويرى أن ذلك يمكن أن يتم وفق السيناريوهات التالية:
أولا- رد إيراني يشبه ما حدث في أبريل/نيسان الماضي عندما قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، مع زيادة في الضربات كمًّا ونوعا هذه المرة.
ثانيا- تنسيق عالي المستوى مع جميع محاور المقاومة (لبنان – اليمن – العراق – سوريا – غزة) بما يضمن الضرب المتزامن والمكثف للنيران البعيدة والقريبة وبكافة أنواعها من جبهات عدة لتحقيق إغراق ناري غير مسبوق في مناطق محددة في المدن الإسرائيلية، والتركيز على القواعد العسكرية الحساسة كأولوية في الاستهداف.
ثالثا- الذهاب نحو ضربة نارية كبيرة موسعة مع محاولة الغزو البري في أجزاء من شمال فلسطين المحتلة، بما لا يستوعبه الاحتلال الإسرائيلي، ومما قد يضطره إلى ردة فعل شديدة نحو طهران وباقي الجبهات، وهذا بدوره قد يؤدي إلى اشتعال المنطقة والذهاب نحو حرب إقليمية شاملة.
رابعا- قيام الاحتلال الإسرائيلي بضربة استباقية لحزب الله وإيران وبعض الجبهات الأخرى، من دون انتظار الرد الإيراني وعدم البقاء تحت سيف الوقت الذي لا تتحمله إسرائيل.
ويتقاطع الخبير العسكري والإستراتيجي الفلاحي مع السيناريوهات السابقة، ويرى أنها قد تكون على النحو التالي:
أولا- القيام بعمليات اغتيال سياسية أو ضرب أهداف سياسية بعيدا عن الأهداف الاقتصادية والحيوية.
ثانيا- توجيه ضربات لأهداف حيوية وعسكرية كما جرى في الرد الذي قامت به إيران في أبريل/نيسان الماضي.
ثالثا- يمكن لإيران استخدام جبهات إسناد مختلفة كما في سوريا واليمن والعراق من أجل توجيه ضربة لإسرائيل مما يؤدي إلى التصعيد لحرب إقليمية شاملة.
خيار الحرب الشاملة
ويستبعد الفلاحي السيناريو الثالث لأنه يمثل انتقالا نوعيا في مسألة الأهداف، مما قد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة بين الطرفين، وهذا ما لا تريده إيران ولا تريده إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية.
وأضاف الفلاحي أن قواعد الاشتباك بين الطرفين توحي بأنهما لا يريدان التصعيد إلى حرب إقليمية في المنطقة، وهناك الكثير من الأهداف الحيوية والاقتصادية التي يمكن أن تضرب في الكثير من المناطق سواء كانت في داخل إيران أو في لبنان أو في إسرائيل ولم تضرب من قبل، واكتُفي بالاغتيالات السياسية.
لكن أسامة خالد يختلف مع سابقيه ويقر بأن الإقليم يمر بمنعطف حاد جدا في بعديه السياسي والعسكري، وحوادث اغتيال فؤاد شكر في لبنان وهنية في طهران وقصف الحديدة في اليمن جعل المشاركة في رد موحد وموسع على إسرائيل أمرا واجبا ويستوجب حالة من التنسيق المباشر والمتابعة بين قوى محور المقاومة.
ويختم تصريحاته بقوله إن التصعيد مستمر ومرتبط بطبيعة السلوك الإيراني ومحور المقاومة وحجم الرد الذي سيقومون به، وأيضا مرتبط بالنوايا الإسرائيلية الحقيقية تجاه محور المقاومة، وهل هي معنية بافتعال حرب واسعة لجر إيران والمنطقة إليها، ومرتبط أيضا بالقناعة الأميركية بمدى قدرة إسرائيل على السيطرة على الأحداث إذا تدحرج التصعيد لحرب إقليمية.
كيف تتأهب "إسرائيل"؟ وماذا تتوقع شكل الرد؟
قال مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني حجة الإسلام طائب، الأحد، إن الرد على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية سيكون "جديدا ومفاجئا".
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" عن طائب قوله إن "العملية المصممة التي تهدف للثأر لدم الشهید إسماعيل هنية ستكون جديدة ومفاجئة". وأضاف أن "السيناريو المصمم للانتقام لدم الشهيد هنية هو من السيناريوهات التي لا يمكن قراءتها".
وأشار إلى أن "الوضع الاجتماعي للكيان الصهيوني (إسرائيل) مضطرب لأنهم لا يعرفون ما هو السيناريو الإيراني، ولا أحد يستثمر في إسرائيل اقتصاديا، ورؤوس الأموال تغادر تلك المنطقة".
وفي يوليو/تموز الماضي، كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن 46 ألف شركة إسرائيلية أغلقت أبوابها منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 60 ألف شركة بحلول نهاية العام الجاري.
وأوضح المستشار بالحرس الثوري أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد تحويل هزيمته أمام حماس إلى حرب إقليمية"، وإدخال أميركا في الحرب، وشدد على أن عهد الهيمنة الأميركية قد ولی، وأن سياساتها لا تشكل رادعا.
وتتأهب "إسرائيل" لسيناريوهات رد انتقامي محتمل من إيران و"حماس" و"حزب الله"؛ بعد تنفيذ تل أبيب عمليتي اغتيال في عاصمتين لم تفصل بينهما سوى 6 ساعات، وفق إعلام عبري الخميس.
وفيما تلتزم تل أبيب الصمت، لم يعلن الجيش الإسرائيلي حتى صباح الخميس عن أي تغييرات في تعليمات الجبهة الداخلية، مع تأكيده مرارا أنه مستعد لكل السيناريوهات المختلفة.
وتوعدت إيران و"حزب الله" و"حماس" بالانتقام لاغتيال هنية وشكر، لكن حسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الخميس، "ليس من الواضح في هذه المرحلة ما هو نطاق الانتقام".
أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية فقالت الخميس إن "الجيش الإسرائيلي وبعد تقييم الوضع الأربعاء، أعلن عن خطط لتعزيز أنظمة الدفاع وتحسين الاستعداد لأي رد انتقامي محتمل من إيران أو حزب الله عقب عمليتي الاغتيال".
وأضافت أن "الجيش يستعد لمجموعة من ردود الفعل من جانب حزب الله والحرس الثوري الإيراني".
و"شهدت الأيام الأخيرة تنسيقا مكثفا (من الإسرائيليين) مع نظرائهم الأمريكيين وقوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، في الشرق الأوسط كجزء من تدابير الاستعداد"، حسب الصحيفة.
وتابعت: "حدثت عمليات نقل قوات في وقت سابق من الأسبوع، والتقديرات في إسرائيل هي أن الرد سيطال أهدافا عسكرية في المقام الأول".
وزادت بأنه "ينبغي أن يكون هناك وقتا كافيا لنصح الإسرائيليين بالبقاء قرب الملاجئ أو تجنب التجمعات الكبيرة إذا لزم الأمر".
وحسب القناة "12" فإن "السؤال الأكبر الذي يشغل الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بشكل عام هو: كيف سيبدو رد إيران على اغتيال هنية في قلب طهران؟".
وثمة تقديرات إسرائيلية مختلفة بالنسبة لسيناريوهات الرد المحتملة من إيران و"حزب الله" و"حماس"، سواء كل على حدة أو مجتمعين في وقت متزامن وبمساعدة جبهات أخرى.
سيناريو رد "حزب الله"
بخصوص رد "حزب الله"، تتحسب إسرائيل لهجمات صاروخية واسعة تصل إلى مدى أعمق مما جرى منذ 8 أكتوبر، مع تركيز على القواعد العسكرية، دون أن تحسم الموقف فيما إذا كان الحزب سيستهدف بنى تحتية مدنية، مثل محطات الكهرباء.
وقالت هآرتس: "فيما يتعلق برد حزب الله، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منقسمة حول ما إذا سيكون الرد مدروسا أم سيستهدف البنية التحتية المدنية، وفي الحالتين، تقول المؤسسة إنها مستعدة للسيناريوهات كافة".
وتابعت: "في الشمال (جنوب لبنان)، تستعد المؤسسة الأمنية لاحتمال إطلاق وابل كبير من الصواريخ، وأن يزيد حزب الله مدى إطلاق الصواريخ إلى عمق أكبر داخل إسرائيل، ولذلك وسّع الجيش نشر أنظمة الدفاع الجوي بالشمال والجنوب والشرق".
لكن "كبار المسؤولين الدفاعيين في إسرائيل يشعرون بالحيرة إزاء الرد المتوقع من حزب الله وإيران"، كما زادت الصحيفة.
وأوضحت أن "هناك مَن يعتقد أن الحزب سيرد بشكل مدروس حتى لا يجر لبنان لحرب شاملة، وبالتالي سيضرب أهدافا عسكرية، مثل قواعد وسط البلاد أو قواعد سلاح الجو، كما حدث في الهجوم الإيراني على قاعدة نيفاتيم في أبريل/نيسان".
واستدركت: "ومن ناحية أخرى، هناك مَن يعتقد في المؤسسة الأمنية أن حزب الله سيرد بشكل أقوى ويهدف إلى إلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية".
سيناريو رد حماس
وبالنسبة لـ"حماس"، يتحسب الجيش الإسرائيلي أن تطلق حركة المقاومة صواريخ تصل وسط إسرائيل، ومنها مدينة تل أبيب.
وقالت "هآرتس" إن "الجيش يتوقع أن تحاول حماس تنفيذ رد عسكري من أجل الانتقام لاغتيال هنية، بما في ذلك محاولات إطلاق صواريخ بعيدة المدى لضرب البلدات والمدن الإسرائيلية المركزية".
وأردفت: "يعتقد مسؤولون في الجيش وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) أن حماس ستحاول بأي ثمن إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل، ربما إلى وسط البلاد وجنوبها".
واعتبرت أن "هذا القصف سيكون رمزيا؛ لأن قدرات حماس على تصنيع وإطلاق الصواريخ تضررت بشدة، وستكافح طواقم الإطلاق للوصول إلى منصات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى لإطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ".
سيناريو رد إيران
أما بشأن إيران، فلا تمتلك إسرائيل تصورا واضحا لماهية الرد المحتمل، ولكنها لم تستبعد تجدد سيناريو الهجوم بالصواريخ والمسيّرات كما حدث في أبريل.
وقالت القناة "12" إن "الرد الأكثر احتمالا الذي قد تختاره إيران هو تكرار هجوم أبريل، حين أطلقت على إسرائيل أكثر من 300 صاروخ باليستي وكروز ومسيّرات".
غير أن "يديعوت أحرونوت" ذهبت إلى أن "رد إيران وحزب الله قد يتضمن هجمات منسقة ومشتركة، حيث وعد الحرس الثوري بعمل خاص قد يتطلب التخطيط له وقتا، وربما يستغرق تنفيذه أسابيع".
و"تشمل خياراتهم شن هجمات إلكترونية لتعطيل الحياة اليومية الإسرائيلية، واستهداف البنوك والنقل والبنية الأساسية الحيوية أو محاولات اغتيال متزامنة لمسؤولين إسرائيليين في الخارج"، وفق الصحيفة.
حرب إقليمية
وفي إسرائيل، عاد الحديث بشكل أكبر من أي وقت مضى عن احتمال وقوع حرب مع إيران أو حرب إقليمية شاملة تتداخل فيها جبهات عديدة.
وقالت "هآرتس" إن "حقيقة وقوع عملية الاغتيال في الضاحية الجنوبية معقل "حزب الله" في بيروت، وأن الهدف شخصية رفيعة المستوى للغاية في الحزب (شكر)، من شأنه أن يدفع حزب الله إلى محاولة وضع قواعد جديدة".
ورأت أن "محاولة الحزب وضع هذه القواعد الجديدة قد تجعل من الصعب على إسرائيل التخلي عن الرد، ومن هنا يعتقد مسؤولون في الجيش أن الطريق إلى حرب شاملة قد يكون قصيرا".
وحسب القناة "12" فإنه "بعد اغتيال هنية، نقل مسؤولون إسرائيليون كبار رسالة (لم توضح لمَن) مفادها أن إسرائيل ليست مهتمة بتصعيد القتال مع إيران، لكنها أيضا لن تتردد في تصعيد هجماتها إذا لزم الأمر".
و"من ناحية أخرى، يعمل العالم على إقناع طهران بعدم الرد بقسوة شديدة لتجنب التصعيد"، حسب الصحيفة.
وتعتبر كل من إيران وإسرائيل الدولة الأخرى العدو الأول لها، وسبق أن تبادلتا هجمات عديدة ومتنوعة، سواء بشكل معلن أو غير معلن.