بالأمس كنا جميعًا في عطلة رسمية بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف. المولد ذكرى كبرى في سياق تاريخي وديني كبيرين، لذا يمكن القول بأن الاحتفال بالمولد الشريف لا يكون بأكل الحلويات، أو توقف العاملين عن العمل، والجلوس في بيوتهم، رغم أن الإجازة المدفوعة الأجر محببة إلى الناس.
المولد الشريف سياق تاريخي وديني كبيرين، وعلى الجالسين في بيوتهم واجب تذكر هذين السياقين الكبيرين، فقد بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم في سياق عمّ فيه الفساد في البر والبحر، وكانت الدنيا مظلمة من الشرك بالله وعبادة الأوثان، وتحريف أهل الكتاب لكتبهم. في هذا السياق ولد أطهر الخلق، وأكمل الخلق، وأجمل الخلق، وحبيب الله، والمصطفى من عباده، ليعيد للحياة توازنها، ونور التوحيد فيها.
ولد صلى الله عليه وسلم في أسرة فقيرة، ونما فيها، وعاش حياة الزاهدين، يبحث عن أسرار الكون والخلق أجمعين، فكان أن أنزل الله عليه الناموس الذي أنزله الله من قبل على سيدنا موسى عليه السلام، ليكون هذا الحدث بداية لتحول الكون من الشرك والكفر، إلى التوحيد والعبادة.
كان المولد الحدث الأكبر في ذلك التاريخ قبل قرابة أربعة عشر قرنا ونصف، وما زال المولد كبيرا في نفوس المسلمين، لا سيما أولئك الذين يحيون الذكرى العطرة بدراسة سيرته للانتفاع بها، والعمل بما جاء فيها، ولا يقفون عند الحلويات، والإجازة المنزلية عن العمل.
كم نحن في فلسطين وغيرها من دول العرب والمسلمين في حاجة إلى مراجعة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مراجعة علم وعمل، لا مراجعة قراءة صامتة وسرد للأحداث. لقد ابتعدنا كثيرا عن المولد الشريف، وعن السيرة العطرة، وليس أدل على ذلك البعد من احتلال بلادنا، وتخلف دولنا، واضطهاد شعوبنا. لقد بتنا للأسف كالأيتام على موائد اللئام، يقضى الأمر دون استشارتنا، أو اعتبار وجودنا، وكأننا بتنا حملا غير مرغوب فيه، وغير مؤثر في حركة الحياة، التي سيطر عليها الملحد، والعلماني، والليبرالي، والطاغوت.
نحن في حاجة لمناسبة المولد والهجرة والفتوح وغيرها لكي تنير هذه المناسبات ظلام أنفسنا، وظلمة ما نحن فيه من بؤس وشقاء، صنعته أيدينا، قبل أن تصنعه لنا أيدي أعدائنا. نحن نطلب الراحة فاعتدنا أن نلقي ما نحن فيه من بؤس وتخلف على أعدائنا، بينما المنطق يوجب علينا أن نلوم أنفسنا وقادتنا قبل أن نلوم الآخرين، ممن يسرهم ما نحن فيه من تخلف وتمزق ودماء.
من ذا الذي أجرى هذه الدماء في حلب؟! من ذا الذي هدم البناء في سوريا؟! من ذا الذي جعل بلاد الشام بيضة الإسلام نهبا لكل ملحد ورافضي ومنحرف ومغال؟! ألسنا نحن، وأعني هنا النظام العربي الذي يحكم سوريا. لقد كان بوسع النظام لو كان ممن يتعظون بالمولد الشريف أن يجنب البلاد والعباد ما هم فيه من ضنك وشدة وبأس. اللهم أعد علينا ذكرى المولد الشريف ونحن في حال أحسن من هذه الحال يا رب العالمين. آمين