لا نمتلك نحن الفلسطينيين إلا الزهو والفخر، والاعتزاز بأمتنا العربية، التي لم تتركنا وحدنا في مواجهة الوحش الصهيوني، ولن تتركنا وحدنا، فكانت الطائرة المسيرة، التي حملت اسم "يافا"، وضربت تل أبيب، قلب المؤامرة، والعمود الفقري للإرهاب في المنطقة العربية.
يافا، ما أجمل هذا الاسم! يافا المدينة الجميلة الوادعة على شاطئ البحر، يافا صارت طائرة مسيرة تحمل القذائف والقنابل لتضرب من اغتصب مدينة يافا سنة 1948، وجاءت المسيرة يافا لتصحح المسار الذي حاولت بعض الأنظمة العربية حرفه وفق هزائمهم، وتهربهم من الواجب بالادعاء أن النزاع يدور بين الفلسطينيين فقط، وبين دولة إسرائيل، وأن هذا النزاع على الحدود، وعلى بضع أمتار يختلفون عليها هنا وهناك، وتناسوا قادة الأنظمة بأن أصل الصراع عربي صهيوني، وأن فلسطين جزء من الأمة العربية، وأن الذي يغتصب فلسطين، يغتصب كرامة الأمة العربية كلها، ويدوس على الشرف العربي بحذاء التطرف والتقزز والاستخفاف.
حلقت يافا في سماء فلسطين لعدة دقائق، فأيقظت الضمائر، وأعادت إلى الأذهان جذر الصراع العربي الإسرائيلي، الصراع الذي كان سببه اغتصاب أرض فلسطين، وإقامة دولة العصابات الصهيونية الإرهابية، فاءت يافا من بلاد اليمن، من أقصى الجنوب، لتقول للشعوب العربية، الصراع عربي، والمسجد الأقصى إسلامي، ولن يكون في يوم من الأيام "جبل الهيكل" جاءت الطائرة المسيرة يافا لتقول للقاصي والداني، إن العرب جزء من معركة طوفان الأقصى، والأقصى لا يخص الفلسطينيين وحدهم، والمسجد الأقصى لا يخص العرب وحدهم، المسجد الأقصى جزء من كيان المسلمين، ومن تاريخهم ووجودهم ومعتقدهم، وإذا تجرأ اليمن وامتلك الشجاعة والقوة والإرادة ليكون جزءاً من معركة طوفان الأقصى، فذلك يعني أن طريق الكرامة مفتوح، ويشرّع أبوابه، وينادي على بقية الشعوب العربية لتلتحق بمعركة طوفان الأقصى.
يافا التي أعادت الصراع إلى جذوره، وأعادت القضية الفلسطينية إلى حضنها العربي، يافا هذه لن تكون يتيمة، ولن تكون وحيدة، سيكون ليافا ألف أخٍ وأخت، يفردون أجنحتهم فوق عكا واللد والرملة وبئر السبع وأم الرشراش وعسقلان وصفد وطبريا وحيفا، حيفا التي لا تقل أهمية عن يافا، بل حيفا ستكون طائرة عربية مسيرة تحمل من الغضب العربي أضعاف ما حملته يافا من رعبٍ، أخرج الملايين، نعم، لقد خرج الملايين من سكان تل أبيب إلى الشوارع، بعضهم بملابس النوم، لقد خرجوا مذعورين وقد حسبوا أن القيامة قد قامت من شدة التفجير، وحسبوا أن كتائب القسام قد دخلت عليهم الباب ثانية، وأن السابع من أكتوبر قد وصل إلى تل أبيب، ويكفي هذا الرعب الذي أرسلته يافا إلى ملايين الأعداء، ويكفي هذا العشق الذي يصرّ على ا، العرب أمة واحدة، وأن العرب لن يتخلوا عن يافا وحيفا والقدس، مهما كانت التضحيات، ومهما صعُبت المهمات.