لأهمية العلم، وعشقاً للتعلم، حفظنا في طفولتنا المثل الذي يقول: اطلب العلم ولو في الصين، فالبعيد قريب أمام طالب العلم، وهذا ما يقوله الفلسطينيون في هذه الأيام بشأن المصالحة الفلسطينية: اطلب الصلح ولو في الصين.
فلا مكان بعيد طالما كان الهدف هو تحقيق المصالحة الفلسطينية، وتوحيد الصفوف، والمواجهة الميدانية والسياسية المشتركة لعدو "إسرائيلي" لا يستهدف تنظيماً بعينه، ولا يستهدف جزءاً من أرض فلسطين دون الجزء الأخرة، إنه العدو الذي يخطط ويتآمر لتصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض، وتهجير وطرد من ظل من الشعب الفلسطيني إلى شتات جديد.
لقاء المصالحة، أو لقاء تسوية الأوضاع داخل الساحة الفلسطينية سيعقد في الصّين بتاريخ 21/ 7، ولأهمية هذا اللقاء، سيرأس وفد حركة حماس رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، في الوقت الذي سيرأس وفد حركة فتح نائب رئيس الحركة محمود العالول، وهذا هو الجديد في لقاء الصين، حيث دأب على قيادة وفد حركة فتح في المرات السابقة عزام الأحمد، ودأب على الذهاب إلى جلسات الحوار، وصدره يمور حقداً وكراهية وعدوانية لحركة حماس.
محمود العالول صاحب تاريخ وطني مشرف، وهو والد شهيد، وإسماعيل هنية صاحب رؤية ثاقبة، ويؤمن بضرورة وحدة الصفوف، وهو والد الشهداء، فالقاسم المشترك بين الاثنين معاداة الصهيونية، والتطلع المشترك لحياة كرية للشعب الفلسطيني، مع أهمية إيثار مصلحة الوطن فلسطين على مصلحة التنظيم، وأن لا قيمة لأي تنظيم، ولا معنى لرئاسة تنظيمات لا تمتلك وطناً، ولا قدرة لها على اتخاذ قراراتها بعيداً عن الأفق الإسرائيلي.
اللقاء في الصين يأتي بعد تطورات خطيرة واستثنائية ومصيرية تعصف بالقضية الفلسطينية، وإذا كان وزير الحرب يوآف جالانت يقود المعركة العسكرية ضد حركة حماس في غزة، فإن وزير الاستيطان بتسليئيل سموتريتش يقود معركة الوجود فوق أرض الضفة الغربية، وتؤكد الحقائق أن أي نصر يحققه العدو على أرض غزة، سيصب ويلاً وتهجيراً لسكان الضفة الغربية، وصدق العدو حين قال: إن الحرب على غزة حرب وجود، وهذه حقيقة، فإما الوجود الفلسطيني شامخًاً عزيزاً، وإما الوجود الإسرائيلي متسلطاً متكبراً متجبراً.
الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وفي الشتات، يدرك خطورة المرحلة، ويدرك أن أي سلطة في غزة أو الضفة الغربية هي سلطة ناقصة، طالما كانت المعابر والسيادة والممرات والمستقبل تحت نفوذ "إسرائيل"، ويدرك الشعب الفلسطيني أن مصيرنا مشتت طالما ظل الانقسام ينهش روح القضية الفلسطينية، ويغذي الأطماع الإسرائيلية، لذلك ينظر الشعب الفلسطيني إلى لقاء الصين بشكل يختلف عن لقاءات المصالحة السابقة، حتى أن العدو الإسرائيلي ينظر إلى هذه اللقاءات بمنظار آخر، وهو يدرك أن تحقيق المصالحة الفلسطينية بمثابة جبال من نار ستحول بينه وبين تحقيق أهدافه، ويدرك الشعب الفلسطيني أن المصالحة ستؤثر على قرار العدو بوقف الحرب على غزة، أو بالتمادي في العدوان، لذلك سيؤخر العدو موافقته على وقف إطلاق النار، ويؤخر صفقة التبادل إلى ما بعد لقاءات الصين، فالعدو لن يعط لحركة حماس ورقة قوة في لقاءات الصين، ولن يعط لحركة فتح ورقة أمل، بأن محاكاة البطولة في غزة هي الطريق الوحيد لتحرير الضفة الغربية.
الشّعب الفلسطيني أحوج شعوب الأرض إلى قيادة وطنية موحدة، ومنتخبة، تمثل تطلعاته، وتحاكي أوجاعه، وتقطب الجرح النازف في الروح والجسد.