تساقط الدمع من مقلتي المواطن عبد الكريم العشي بينما كان يتجول في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة وحملق بنظره في المحال التجارية التي كانت تعج بالزبائن وأصبحت أكوام من الركام والخراب.
سرعان ما اجهش العشي البالغ من العمر (59 عامًا) بالبكاء، عندما مرَّ أمام ذاكرته شريط من الذكريات التي حملت مشاهدًا لهذا الشارع الذي كان ينبض بالحياة عشية مواسم الأعياد.
وخلال حرب الإبادة في قطاع غزة، ألحق جيش الاحتلال الإسرائيلي بشارع عمر المختار وأسواقه التاريخية دمارًا هائلًا، كما تعمد إزالة منتزه الجندي المجهول الشهير الذي كان قبلة لسكان المدينة للحصول على الترفيه.
قال العشي وهو يمسح دموعه لموقع "فلسطين أون لاين": "عشية الأعياد، كان هذا الشارع لا ينام حتى مطلع الفجر، كان الناس يتدافعون هنا وهناك، والمحلات مفتوحة وإنارتها مبهجة".
وأضاف: "كنت أتجول في طرقات الشارع وأزقته، وأرى السعادة على وجوه الأطفال والأمهات وهم يشترون الملابس الجديدة انتظارا للعيد".
وأشار العشي إلى زاوية الشارع حيث كان الناس يتزاحمون أمام محل بوظة كاظم، وقال: "لقد لحق الدمار في هذا المحل التجاري الذي يشكل معلمًا تاريخيًا لغزة".
عشية الأعياد كان الناس والتجار يزينون شارع عمر المختار بحبال الزينة والأضواء اللافتة للنظر، وكانت المحال التجارية مزدحمة بالبضائع الجديدة والزبائن.
يقول العشي: "كل ذلك اختفى.. ولم يتبق سوى الركام والكثير من الذكريات".
كان موسى مراد (47 عامًا) يتجول في محيط سوق الساحة ولا يشاهد سوى الدمار والخراب.
وقف مراد الذي يعيش في شارع الجلاء وسط مدينة غزة على مكان ما وقد أصبح أثرًا بعد عين، وقال: "هنا حيث أقف، ميدان فلسطين الذي يبلغ عمره عقود من الزمن".
كان ينتصف الميدان تمثالًا على شكل قبضة يد تحمل بين أصابعها سلاسل تعريفية بأسماء الجنود الإسرائيليين الذين أسرتهم حماس قبل هذه الحرب.
لقد دمر جيش الاحتلال هذا الميدان عن سبق إصرار وفرغ به حقدا أسودا إذ شكل لسنوات عديدة ذكرى سيئة لهذا الجيش.
مضى مراد قدمًا إلى عمق سوق الساحة متجها نحو سوق الشجاعية، مر من أمام محال تجارية اتشحت بالسواد الناتج عن حرقها.
أشار مراد إلى أحد هذه المحال ولم يظهر منه سوى الخراب والدمار، وقال: "من منا لا يذكر محل أبو حازم الشرفا، أشهر بائع للبدل الرجالية في غزة، كان هذا المحل يعج بالزبائن عشية الأعياد".
وأضاف: "لقد استشهد الرجل عندما كان يحتمي في محله التجاري بينما كانت الطائرات تقصف المنازل بلا رحمة، لكن قوات الاحتلال جاءت هنا وقصفت المكان وحرقته وحولته إلى رماد".
في سوق الساحة، هناك عدد قليل من المحال التجارية التي أعادت ترميم نفسها وفتحت أبوابها مجددا كشكل من أشكال صمود الشعب الفلسطيني الذي يواجه حربا دموية لم يشهد العالم مثلها.
وتضطر هذه المحال لغلق أبوابها عند مغيب الشمس لعدم توفر الكهرباء، كما لا يستطيع أصحابها تشغيل مولدات كهربائية بسبب عدم توفر الوقود.
وقطعت دولة الاحتلال إمدادات المياه والكهرباء والوقود عن قطاع غزة في أولى أيام هذه الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وأعاد التاجر خميس عنان، صاحب محل تجاري لبيع ملابس الأطفال في شارع عمر المختار، ترميم محله وفتحه مجددًا أمام الزبائن.
وأوضح عنان لموقع "فلسطين أون لاين" أن التجار في غزة تكبدوا خسائرا فادحة بعد أن قام جيش الاحتلال بحرق وتدمير محالهم التجارية بشكل متعمد.
ولكنه أشار إلى أن العديد من التجار رمموا أنفسهم وخرجوا من بين الأنقاض ليعيدوا افتتاح محالهم التجارية بعد أن نفضوا الغبار عن بضائعهم.
وقال عنان: "رسالتنا هنا رسالة تحدي، وتحمل معنى كبير أننا هنا باقون، ولن نخرج من المدينة مهما جرى".
وأضاف: "غزة اليوم عبارة عن مدينة ركام.. مع سكان صامدين".