فلسطين أون لاين

ارتقى مع أطفاله الثلاثة بالنصيرات

تقرير قصَّة الشَّهيد "إبراهيم أبو حمادة".. ختم حياته حاملاً بيده كتاب الله

...
الشهيد إبراهيم أبو حمادة وأطفاله
غزة/ نور الدين صالح:

كان لسانه يلهج بالدعاء وترتيل آيات القرآن الكريم التي تحث على الصبر والثبات في وقت الشدائد والمِحن، حتى أنه كان يذكر بها أفراد عائلته القاطنين في منطقة تل الزعتر بمخيم جباليا شمالي قطاع غزة بعدما نزح هو إلى المحافظة الوسطى، هذا هو النهج الذي سار عليه الشهيد إبراهيم أبو حمادة (33 عاماً).

منذ أن انطلقت شرارة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر لعام 2023، دّب القلق في قلب "إبراهيم" خوفاً على زوجته التي كانت على بُعد أسبوع من ولادتها بمولودته الجديدة، فاضطر للنزوح إلى مخيم النصيرات في المحافظة الوسطى.

في التاسع من شهر مارس/ آذار الماضي، وعندما وصلت الساعة عند الحادية عشر صباحاً، كان "إبراهيم" قد انتهى من تناول وجبة الإفطار مع عائلته وأطفاله عمر (5 أعوام) وندى (3 أعوام)، وأمسك بكتاب الله عزوجل وجلس يُرتل آياته معهم وهم يرددون خلفه.

في ذلك التاريخ كسرت طائرات الاحتلال الإسرائيلي حاجز الصمت حينما ألقت صواريخها الثقيلة على مُربع سكني في مخيم النصيرات كان من بينه منزل عائلة "النويري" التي نزح إليها "إبراهيم" وأطفاله الثلاثة بما فيهم "زينة" التي أبصرت نور الحياة في الحرب، وأمضت من عمرها خمسة أشهر، وفق ما يقّص شقيقه عبدالله.

انقلبت أوضاع المنزل "رأساً على عقب" فقد بات المنزل المكون من أربعة طوابق غطّت جدرانها كل من كان فيه من أصحابه والنازحين إليه الذين يتجاوز عددهم الـ 20 فرداً، بما فيهم "إبراهيم" وأطفاله الثلاثة، وزوجته التي كانت تجلس على بُعد أمتار منهم، يقول "عبدالله" لـ "فلسطين أون لاين".

ويضيف أن طواقم الدفاع المدني والإسعاف توجهت إلى المنزل لإنقاذ الشهداء والجرحى، لكّنها واجهت صعوبات بالغة بفعل قلّة الإمكانيات المتوفرة لديها، فبعد مرور 4 ساعات على الحادثة تمكنت من انتشال "إبراهيم" وأطفاله الثلاثة من تحت أنقاض المنزل الذي أصبح كومة من الحجارة فوق بعضها البعض.

وأخرجت طواقم الدفاع المدني "إبراهيم" من تحت الأنقاض وبيده المصحف الشريف، كما يقول "عبدالله" عن اللحظات الأولى لانتشاله، وهو ما أصاب المواطنين بحالة من الحزن الممزوجة بالفرح، ما دفعهم للتكبير والتهليل.

ويوضح أنه بعد مرور أقل من ساعة تمكنت طواقم الدفاع المدني من انتشال أطفاله الثلاثة بما فيهم الرضيعة زينة التي كانت في حضن والدتها في غرفة مجاورة لحظة القصف.

أما زوجة "إبراهيم" فقد ظلّت تحت الأنقاض قرابة 10 ساعات متواصلة بفعل كثافة الحجارة التي انهالت عليها، إلى أن وصلت طواقم الدفاع المدني لها وانتشلتها "لكنها كانت على قيد الحياة وقد أُصيبت ببعض الكسور والرضوض من جراء الحجارة التي ارتطمت على جسدها"، حسبما يروي "عبدالله".

وبحسب "عبدالله" فإنه ارتقى مع شقيقه "إبراهيم" والدة زوجته وشقيقها وشقيقتها خلال القصف الذي استهدف المنزل.

كأن "إبراهيم" كان يعلم أن موعد لقاءه مع ربه اقترب، فقد قال لشقيقه "عبدالله" خلال اتصاله الأخير معه قبل الاستشهاد بأيام قليلة وهو يشكي صعوبة وقسوة النزوح القسري عن منطقته "يا ريتني استشهد في الشمال أحسن من الجنوب".

كـ "الصاعقة" تلقت العائلة خبر استشهاد ابنها "إبراهيم" كما يحكي "عبدالله" الذي سرعان ما أخذ يُعدد مناقبه طيلة حياته "كان محبوباً من كل العائلة ومعطاءً ويُحب الخير للجميع".

ومع دخول أيام عيد الأضحى المبارك، أخذ "عبدالله" يقلب في ذاكرته عن أبرز الطقوس التي اعتاد عليها "إبراهيم": "كل عيد كان يضحي، وكان يضفي أجواءً رائعة خلال زيارة الأقارب، حيث اعتاد على التكبير والتهليل عند دخول كل منزل ونحن نردد من خلفه".

وعدّ "عبدالله" ما جرى مع شقيقه وأطفاله "جريمة مكتملة الأركان"، مطالباً كل الضمائر الحية للضغط على الاحتلال لوقف حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة منذ ما يزيد عن ثمانية أشهر.

وما يزيد الوجع لدى عائلة أبو حمادة أن والد "إبراهيم" ارتقى شهيداً في التاسع عشر من شهر نوفمبر لعام 2023، خلال خروجه من المسجد بعد أداء صلاة الفجر جماعة في مسجد حيفا الواقع في منطقة تل الزعتر شمالي قطاع غزة.

وأسفر العدوان الإسرائيلي الذي انطلقت شرارته في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ولا يزال مستمراً في شهره الثامن على التوالي عن استشهاد أكثر من 36 ألفاً وإصابة 90 ألفاً آخرين- معظمهم من النساء والأطفال- كما تسبب العدوان في تدمير هائل للبنية التحتية مخلفاً "كارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفقاً لتقارير فلسطينية ودولية.