كل تسريب عربي يخص العدوان على غزة، مخزٍ، وكل تفصيل عربي رسمي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يدل على أسباب تخاذل النظام العربي للفلسطينيين في غزة، والكشف عن مراتب الانهيار العربي التي وصلتها سياسات الأنظمة منفردة ومجتمعة، في الجامعة العربية وقراراتها، أو فيما يُسرب عن تنسيق عربي مع أمن وجيش الاحتلال المحاصر قادته باتهامات أمام المحكمة الجنائية الدولية وأمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب و إبادة جماعية، وضد الإنسانية والمصنف قبل أيام من قبل الأمم المتحدة على اللائحة السوداء لانتهاكه حقوق الأطفال.
مجرم حرب
ينجح الجنرال الصهيوني، مجرم الحرب، وقاتل آلاف الأطفال والنساء، ومرتكب الإبادة الجماعية بالوصول لعاصمة عربية للاجتماع بنظرائه من جنرالات العرب؛ لبحث “انتصارات” جيش الاحتلال على الشعب الفلسطيني، بعد ساعات من ارتكاب مجزرة مخيم النصيرات في غزة.
فبعد تسريب موقع أكسيوس، عن اجتماع رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي، في العاصمة البحرينية المنامة، مع قادة عسكريين برعاية أمريكية، بعد كل جرائم الإبادة الصهيونية في غزة، وتغول عدوان الاحتلال في الضفة والقدس، وغداة مجزرة النصيرات، يأتي الفرج لمجرم الحرب الصهيوني من عواصم عربية، ومن جنرالات جيوش عربية، لم تقطع تعاونها وتنسيقها الأمني والعسكري مع جيش مجرم، يواصل ارتكاب الفظاعات والجرائم بحق الشعب الفلسطيني، فما الذي يفهم من اجتماع الجنرال الصهيوني مع عسكر العرب؟
ببساطة، يفهم أن الإحجام العربي عن الانضمام لكل حملات ودعاوى قضائية دولية، تحاكم مجرمي الحرب الإسرائيليين وتحاصر دولة الاحتلال، لا تخص الجانب العربي الرسمي، ويفهم أن التخاذل والتقصير في منع الإبادة الجماعية في غزة، مردها أمنيات عربية رسمية وصهيونية وأمريكية وغربية مشتركة لهزيمة الفلسطينيين ومقاومتهم، وكل الحديث العربي عن فلسطين والشعارات التي يحملها زعماء العسكر حماة الأنظمة وحدود الإبادة الفلسطينية، تعرت بشكل مطلق.
عدوان المؤسسة الصهيونية
طيلة أشهر العدوان يستصرخ الفلسطينيون ضمائر العرب والشعوب الحرة حول العالم، للوقوف جانب قضيتهم لكبح جماح عدوان المؤسسة الصهيونية عليهم، كما هي صرخاتهم الممتدة طيلة عقود النكبة والاحتلال، سُجلت خلالها كثير من المواقف المشرفة غير العربية ، من أمريكا اللاتينية وجامعات الولايات المتحدة وبريطانيا وإيرلندا إلى جنوب أفريقيا وكولومبيا وتشيلي، وغيرها من المواقف التي اتخذها نجوم ونخب مختلفة بالانحياز الفعلي إلى جانب الشعب الفلسطيني وفي شوارع وقارات المعمورة كلها.
ولم يستدع الفلسطينيون وممثلو مقاومتهم للاجتماع مع قادة عسكريين عرب لبحث العدوان والتصدي له، بل يجري تنسيق عالي المستوى بين أجهزة الأمن العربية مع مجرمي المؤسسة التي تقوم بإبادتهم، ومن ثم يحمل الجنرال العربي تهديد المجرمين لينقله للضحايا ويبتزهم ويضغط عليهم للرضوخ.
فلا شيء أوضح من التآمر الحاصل على غزة وعلى القضية برمتها مما نشهده هذه الأيام، والجوانب العربية ” المهمة ” في رصد ومتابعة ما يجري فلسطينيا، يتقاطع تماما مع الخندق الإسرائيلي والأمريكي.
وكما ينظر الجنرال الصهيوني لغزة ولقضية شعب تحت الاحتلال، على أنها قضية أمنية يجب بحثها لتوفير الأمان للمشروع الصهيوني، بإخضاع الفلسطينيين واستسلامهم لقدرهم كما فعل أسلافهم في النظام العربي ومؤسسته العسكرية. يكشف اجتماع المنامة أن الجنرال الصهيوني الموزع مهامه لخفراء الأنظمة العربية في تأمين عدوانه، أن مهام عسكر العرب، أوامر صهيونية دون تجميل ومجاملة وبلاغة عربية ممجوجة، وكما في المنامة مشتركات عميقة مع تل أبيب وجنرالاتها، أكثر بكثير من علاقة هؤلاء مع فلسطين وشعبها، وأكثر من العلاقة مع شعوبهم للأسباب التي تفرضها مصالحهم المباشرة مع المؤسسة الصهيونية ومشروعها الاستعماري.
ترى، هل يتخيل أحد منا، ما يتفوه به واضع النياشين العربية على كتفيه أمام محاضره الصهيوني، هل يسمع منه كلام عن نجاح المؤسسة الصهيونية بتدمير “أوكار الإرهاب” في غزة، وعن تحقيق نصرٍ مؤزر لتذليل عقبات طريق السلام، وهل يهز الجنرال العربي رأسه مع ابتسامة إعجاب بتحقيق الإبادة؟
وهل استمع الجنرال العربي لبراعة خطط الجرائم وكيفية الاستفادة منها عربيا؟
دون شك، ليس في جعبة الجنرال العربي شيء يمس بأمن المحتل، وليس لديه خطط وشرح غير ما تقدمه أجهزته وعسكره من بطش وقمع وتحطيم واضح على مجتمعات عربية، هاليفي غير ممتعض من إجراءات مصرية وأردنية وبحرينية تُشعره أن جرائمه ستتوقف، وسيحاسب عليها من هذه الهياكل العربية، بل تحاول هذه الهياكل أن تكون طوق نجاة للمجرمين والقتلة، الذين يتحسسون رؤوسهم عند التفكير بزيارة عواصم دولية.
أخيرًا، كشف اجتماع المنامة أن الجنرال الصهيوني المثقل عنقه بكل جرائم الإبادة الجماعية، وآخرها مذبحة النصيرات، كان طليقا و”حرّا” في حضرة الخفراء العرب وبحمايتهم، بغض النظر عن كل الجرائم وعن قرارات محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية.