قائمة الموقع

بخيمة فوق ركام منزلها .. عائلة "أبو عرفات" تتشبث بذكريات العمر

2024-06-10T13:05:00+03:00

بجانب بيتها المدمّر في بلدة عبسان الجديدة شرق محافظة خان يونس، أقامت صابرين خليل أبو عرفات وعائلتها خيمةً تأويهم بعد نزوحهم الأخير من محافظة رفح، مفضلةً المكوث بجوار ركام بيتها على النزوح إلى مناطق بعيدة عنه، رغم قسوة العيش في منطقة تعاني من نقص في المياه، وقريبة من السياج الحدودي.

بخوف وقلق تمضي العائلة ليلتها فأصوات الانفجارات والقصف الحربي "الإسرائيلي" والمدفعي حوّل المكان المعروف بهدوئه وسكونه كما اعتادت قبل الحرب إلى "مكان خطر" جعل العائلة تغلق عينا في الليل وتبقي أخرى مستيقظة خوفًا من أي تصعيد أو اقتحام قوات خاصة كما حدث قبل أيام بعد قصف مدفعي وتقدم للدبابات فتراجعت العائلة إلى أحد مراكز الإيواء.

مع حلول الصباح تحاول أبو عرفات التأقلم مع وضع تتشبث فيه بالعودة لمنزلها المدمر وبالعيش على أطلال الذكريات، تطل من باب خيمتها القماشي على ركام المنزل الذي كانت تطل منه على حديقة وزهور ذبلت وتناثرت أوراقها بين الركام، تتأقلم مع مكان ارتبطت به على مدار حياتها لكنه بات غريبًا.

تأقلم على المعاناة

"رغم الخطر والخوف الذي نعيش فيه، أحاول عمل أي شيء جميل ترد فينا الروح بعد ما مات كل شيء جميل فينا، زرعت النعناع والريحان بمحيط الخيمة" تقول أبو عرفات لـ "فلسطين أون لاين" وهي تمسكُ إبريقًا وتسكبُ الماء على المزروعات، تصحبها الذاكرة إلى صباحات ما قبل الحرب عندما كانت تجلس صباح كل يوم بين بستان أزهار وورود، وتحتسي كأسًا من الشاي مع عائلتها.

تجمع أبو عرفات الحطب هي وأفراد عائلتها وتعد طعام الإفطار، ثم تجلس مع أولادها وتكرر المحاولة مع ساعات الظهيرة لتجمع الحطب مرة أخرى لتعد طعام الغداء، في روتين حياة قاس يعيشه معظم أهالي قطاع غزة، "اليوم يمر مثل كل يوم، غسيل وطبيخ وخبيز وتوليع نار حتى ايدينا انحرقت وجفت من كتر النار" تقول بعفوية وهي تقلب كفيها، فتظهر آثار لسعات الشمس والنار.

تتّجه بنظرها نحول كومة الركام، تردف "صعب رؤية بيتك وتعب عمرك وملابسك وأثاث بيتك ملقى أمامك وبمحيطك، وأحيانًا تجد نفسك مرغما لإشعال النار به".

قبل يومين عاشت العائلة أحد أسوأ الأيام التي أمضتها هنا، توضح بنبرة صوت مليئة بحرق قلب رسمت خطًا آخرا على ملامحها المتعبة من أثر النزوح المتكرر "بالأمس عشنا في رعب كبير، خشيتُ على بناتي وأولادي من القذائف التي وصلت شظاياها على مقربة من خيمتنا، فذهبنا إلى أحد مدارس الإيواء التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وعندما هدأت القذائف وتراجعت الدبابات عدنا لبيتنا المدمر".

ليست عائلة أبو عرفات الوحيدة التي عادت للمنطقة، فالجيران رجعوا إلى حارة تغيرت معالمها وشوهت الصواريخ جمالها وجرفت آليات الاحتلال أشجارها، تلتفت حولها يحتل القهر صوتها "الناس عادت لكنها خائفة ووجها معتم من الخوف والقلق على أولادهم وأنفسهم، كوننا نعيش على مقربة من الحدود وبأي لحظة قد نتعرض لدخول جيش الاحتلال علينا أو اقتحام قوات إسرائيلية خاصة".

إطلالة على بيت مدمر

تسألها عن قسوة العيش بين الركام؟ تسبق إجابتها دمعةٌ هربت من حواف عينيها من شدة القهر "باب الخيمة يفتح على ركام البيت، تنظر إلى ذكريات وأحلام ضائعة. لم يبقَ شيء نتحسر عليه، وما يصبرنا أننا كما كل الناس ليس بيتنا لوحدنا الذي هدم وأن هذا الحال طال الجميع".

قبل عودتها إلى خيمتها بجوار منزلها، نزحت العائلة على مقربة من الحدود مع مصر، وعاشت في معاناة كبيرة بعيدة عن منزلها، عانت من قلة الحصول على المياه ومن ارتفاع درجة الحرارة التي حولت الخيمة إلى فرن حارق.

ورغم أن حالها لا يختلف عن باقي الأمهات في قطاع غزة، لكنها كانت من أصحاب المعاناة الأشد، فقامت بالنزوح أربع مرات، إلى أن وجدت الأيام تجرها إلى بلدتها عبسان بعد هجوم الاحتلال على محافظة رفح.

عند وصولها البيت انهمرت دموعها لحظة رؤيتها للمنزل الذي تحول إلى ركام، تتحسر على أجمل الأيام التي أصبحت مجرد ذكريات، تنهدت بحرقة، لم تستوعب ما جرى، كانت تحول لملمة دموعها التي تساقطت عند أول نظرة نظرتها لبيتها بعد غياب طويل، لم يدم وقت الصدمة طويلاً.

تحررت أبو عرفات وعائلتها من صمتهم ونفضت أغلال الصدمة عن كاهلها، وتشاركوا في دفع ركام الأرض، وأنشأت خيمة تأويهم، "كنت أتمنى أن أعود لبيتي، فدرات الأيام ورجعنا لأرضنا، لكن على خيمة فوق ركام بيوتنا، نعيشها ونحن نشعر بالقهر الشديد لأني أعيش في المناطق الشرقية من المؤكد أن أشعر في كل وقت بخوف شديد يتملكني أنا وأولادي. خوف من القصف المدفعي الذي يتناثر في كل مكان، وبالكمية والسواد الذي اتشحت به عيني من طول السهر والخوف أن يحل شيء ونحن نيام".

اخبار ذات صلة