فلسطين أون لاين

يقدم الخدمة الصحية لنحو مليون غزي

تقرير الدواء وجلسات العلاج لــ"النصف" .. خيارات معقدة تواجه المستشفى الوحيد وسط غزة

...
صورة من الأرشيف
دير البلح/ محمد عيد

بعد ساعات انتظار طويلة، تمكّن الطفل عز الدين ياسين (11 عامًا) من الاستلقاء على سرير العلاج في قسم الكلية الصناعية داخل مستشفى شهداء الأقصى.

استطاع عز الدين صاحب الشعر الأشقر، الاستلقاء بصعوبة بالغة بمساعدة والده وشقيقه تمهيدًا لخضوعه لجلسة "الغسيل الكلوي الدموي" في المستشفى الوحيد الواقع وسط قطاع غزة.

وأكثر ما يؤلمه أن جلسة العلاج "لن تريح" جسده، وذلك بعد خفض إدارة المستشفى جلسة الغسيل من أربع ساعات إلى ساعتين وكذلك حقنة الدواء.

وليس هذا فقط، فالانتظار الطويل لجلسة العلاج والنّزوح المتكرر بين محافظات جنوب القطاع "أمرٌ مرهق للغاية" والحديث للطفل.

نزحت عائلة ياسين من منزلها في حي الزيتون جنوب مدينة غزة إلى محافظة رفح جنوب القطاع وتحديدًا في محيط مستشفى الشهيد محمد النجار؛ لاحتوائه قسمًا للكلية الصناعية.

وعقب بدء جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عمليته العسكرية في رفح وتحديدًا 6 مايو/ أيار الماضي، وتوغل الآليات العسكرية في محيط المستشفى المذكور اضطرت العائلة للنزوح إلى مخيم النصيرات (وسط القطاع).

وتتنقل العائلة بطفلها عز الدين ثلاث مرات أسبوعيًا من خيمة النزوح إلى المستشفى الواقع في مدينة دير البلح لأجل الحصول على "نصف جلسة علاج".

وبحسب والد عز الدين، فإن الحالة الصحية لنجله في تدهور مستمر؛ إزاء "الكارثة" التي حلت بالقطاع الصحي بفعل الحرب "الإسرائيلية" المستمرة منذ ثمانية شهور.

ونوّه إلى أن طفله كان من المقرر أن يسافر للعلاج إلى مصر عبر منظمة الصحة العالمية غير أن اجتياح الاحتلال وسيطرته على معبر رفح البري الفاصل بين غزة ومصر، حال دون ذلك.

واشتكى ياسين (الأب) من واقع الخدمة الصحية نتيجة تعمد الاحتلال استهداف المستشفيات والمراكز الصحية وتكدس الأخيرة بالأعداد الهائلة من الجرحى والمرضى عوضًا عن غياب الأدوية والعلاج المناسب لطفله الذي يعاني من مرضه منذ الولادة.

ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يستهدف جيش الاحتلال بهجمات ممنهجة ومتواصلة المستشفيات والمرافق الطبية في جميع محافظات غزة، مما تسبب في تدمير المنظومة الصحية.

صعوبات أخرى

وعلى الزواية الأخرى، يتصدر قائمة الانتظار الطويلة أمام قسم الكلية الصناعية، الحاج كامل أبو شبات (63 عامًا) على أمل الإذن من الطواقم الطبية بالدخول.

ويقف الزوج ممسكًا بذراعي كرسي متحرك تجلس عليه زوجته هدى أبو شبات (60 عامًا) وذلك بعد أن أقعدها المرض الذي أصيبت به قبل نحو اثنا عشر عامًا.

ولا يبدي الزوج أي ردود فعل غاضبة من قائمة الانتظار الطويلة؛ كونه أحد النازحين من عزبة عبد ربه شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة إلى رفح (جنوبًا) التي نزح منها أخيرًا عقب الاجتياح "الإسرائيلي" الواسع.

وقال: "أعلم أن آلاف النازحين يتكدسون حاليًا في هذه المنطقة" وذلك في إشارة للمحافظة الوسطى التي تضم مستشفى واحدًا.

وأقام الزوجان وأولادهما خيمة قماشية على جدران المستشفى الذي يضم قسمًا للكلية الصناعية.

لكن الأمر المزعج بالنسبة للزوج الذي يرتدى طاقية سوداء على رأسه، هو تراجع الخدمة الصحية لأصحاب الأمراض المزمنة بـ"شكل كبير" وفقا لرأيه.

وأشار إلى أن زوجته تتلقى حاليًا جلستين من "الغسيل الكلوي الدموي" بنصف الوقت عن السابق وذلك من أصل ثلاث جلسات أسبوعيًا تتراوح الواحدة منها (4 ساعات).

كما واشتكى الزوج من اكتظاظ أعداد النازحين وانتشار الأمراض وسوء الحياة المعيشية في الخيام عدا عن غياب وسائل النقل والمواصلات لزوجته المقعدة.

"عبء كبير جدًا"

وبحسب الحكيم محمد خطاب فإن قسم الكلية الصناعية في المستشفى يضم 24 سريرًا، يخدم حاليًا من 420 – 450 حالة مرضية من ذوي الفشل الكلوي على مدار الأسبوع.

وأوضح خطاب أن القسم كان يقدم الخدمة الصحية قبل الحرب الإسرائيلية لـ 150 مريضًا من سكان وسط القطاع، وحاليا يشهد حالة من "العبء الكبير" على الأجهزة والطاقم الطبي.

وأشار إلى أن الاجتياح "الإسرائيلي" لرفح وإخلاء مستشفى الشهيد محمد النجار تسبب بموجة نزوح واسعة للمواطنين نحو وسط القطاع وهو ما خلق "واقعًا صعبًا" في مستشفى الأقصى.

ولفت إلى أن استعادة مجمع ناصر الطبي في خان يونس العمل بقسم الكلية الصناعية، أخيرًا، "قلل من الأعداء الهائلة" التي وصلت لنحو 900 مريض كانوا يترددون يوميًا على المستشفى.

وسبق أن خرج مجمع ناصر الطبي رسميًا عن الخدمة، فبراير/ شباط، بعد أن داهمت آليات الاحتلال ساحته وعاثت الخراب في محتوياته وأقسامه وأعدمت عشرات المرضى والنازحين بداخله.

وأوضح أن قسم الكلية الصناعية في "الأقصى" يقدم حاليًا جلستي علاج لكل مريض أسبوعيًا بمعدل ساعتين فقط، مؤكدًا أن هذا الأمر "غير كاف" لهؤلاء المرضى ويسبب لهم الإجهاد المستمر.

وحذّر خطاب من تداعيات النقص الحاد في الأدوية اللازمة لهؤلاء المرضى، كـ"الهرمون" الذي يحتاجه مريض الفشل الكلوي بنسبة 8 آلاف وحدة أسبوعيا، والكالسيوم والحديد وهو الأمر الذي ينذر بتعرض حياتهم للخطر.

مليون إنسان

وأكد المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى خليل الدقران، أن المستشفى الوحيد وسط القطاع يقدم حاليًا الخدمة الصحية لنحو مليون غزي يتركزون حاليًا في محافظتي الوسطى وخان يونس.

وأوضح الدقران أن استهداف الاحتلال لمجمع ناصر الطبي ومستشفى الأمل وكلاهما في خان يونس، ضاعف من أعداد المرضى والجرحى الذين يترددون على أقسام مستشفى الأقصى.

وبيّن أن هذه الأعداد تفوق قدرة الطاقم الطبي والقدرة السريرية للمستشفى، وهو ما يدفع المرضى للتناوب بينهم على الأسرة أو الفرشات الممتلئة في الممرات والأقسام والساحات العامة.

"التي باتت مهترئة"

وأشار إلى سوء التغذية واكتظاظ أعداد النازحين لا يزالان عاملين أساسيين في انتشار الأمراض كالتهابات الجهاز التنفسي والنزلات المعوية والأمراض الجلدية.

وأفاد بإصابة 6 آلاف طفل بالتهاب الكبد الوبائي وأكثر من 100 ألف بالأمراض المعدية.

ونوه إلى افتقار المستشفى للأدوية والمستلزمات والوقود اللازم لتشغيل الأقسام والأجهزة الطبية.

وأكد أن إدارة المستشفى لجأت لخطط "اضطرارية" في العديد من الأقسام كـ"أحد الخيارات الأخيرة".

وناشد المتحدث الطبي المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية بضرورة الضغط على الاحتلال لإدخال المستشفيات الميدانية لغزة والسماح بسفر الجرحى للعلاج في الخارج وضمان تدفق الوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفى "التي باتت مهترئة".

وكانت وزارة الصحة أعلنت في مايو/أيار خروج أكثر من 80% من مستشفيات غزة من الخدمة نتيجة الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة.

ووصف مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس حجم الدمار الذي لحق بمستشفيات غزة بـ"المفجع".