فلسطين أون لاين

الاحتلال إذ يغرق في نصر نتنياهو الزائف

احتفل الكيان الإسرائيلي في 14/5 الماضي بالذكرى 76 لقيامه، وعلى عكس كلّ الاحتفالات السابقة، تلبّدت الاحتفالات بأجواء الحزن والكآبة والغضب، في ظلّ اعترافات صريحة لأجهزة الأمن بالفشل في تحقيق أهداف الحرب،

وتحول هدف "النصر الكامل" الذي أطلقه نتنياهو إلى كابوس يلاحق الاحتلال، فيشنّ جيشه هجومًا على رفح، ويعود لمهاجمة مناطق سبق أن قال إنه انتهى منها! وذلك في ظلّ اشتعال جبهة الشمال مع حزب الله، وتصعيد الحوثي لملاحقة السفن المتوجّهة للكيان!

وعصفت بالائتلاف الحاكم الخلافات حول خُطة ما بعد الحرب، فيما اصطدم نتنياهو بالموقف الأميركي الساعي لضبط مسار العدوان، وخسرت إسرائيل صورتها في الحرب، وسط تخوّف يجتاح قادةَ الكيان من احتمال إدانتهم وملاحقتهم من قِبل المحكمة الجنائية الدولية!

فشل ذريع

بعد أكثر من 7 أشهر على الحرب الطاحنة التي تشنّها قوات الاحتلال على غزة، يتأكّد أن الاحتلال فشل في تحقيق أهدافه المعلنة المتعلقة بالقضاء على حماس، واستعادة الأسرى بالقوّة، وهذا ما أكّده قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الذين اتّفقوا في اجتماع قبل أيام على أن الحرب في غزّة، وصلت إلى طريق مسدود، وأن إسرائيل "فقدت ميزتين أساسيتين في هذه الحرب، وهما: الدعم الأميركي، ووحدة الشارع".

ورغم استمرار نتنياهو في الحديث عن النصر الكامل، فإن النتائج على الأرض لم تسعفه على الإطلاق، وليس أدلّ على ذلك من اضطرار جيش الاحتلال إلى العودة لمناطق جباليا، وحي الزيتون – كان أعلن أنه نجح في تفكيك كتائب حماس فيها – ليواجه من جديد مقاومة أوقعت في صفوفه عشرات القتلى والجرحى.

ونجد أنفسنا في حاجة هنا لتأكيد ما نقول من خلال عدد من الشهادات الإسرائيلية التي تؤكد الهزيمة التي يواجهها جيش الاحتلال بغزّة.

ففي تقييم للرئيس السابق لجهاز "الشاباك" يعقوب بيري في معاريف، يقول :" اليوم يبدو أن عدوّنا المرّ والقاسي يسيطر على الوضع على نحو أفضل بكثير، ونحن من نرقص على مزماره وليس العكس. يحيى السنوار يتحكّم بالأمور بطريقة أكثر موثوقيّة وأمان، ونحن نتبعه دون خيار"، ويضيف: "كل شيء مقلوب، غريب، وقبل كل شيء غير مفهوم. وضع مُحبط وكئيب، وفوق كل شيء؛ بلا مخرج ولا أي حلّ".

ورغم محاولة بيري وغيره، حصر المشكلة بنتنياهو، فإن الصحيح أن الأمر يتعلّق بفشل جيش كامل استخدم كل الوسائل، وعلى رأسها المجازر بحقّ المدنيين، واستخدم التجويع والتهجير دون أن يتمكن من تحقيق أي إنجاز عسكري حقيقي ضد المقاومة، رغم نجاحه في إحداث كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث.

ونورد هنا تعليق الكاتب يوآف ليمور في "يديعوت أحرنوت" على هذا الوضع بالقول: "غزة لم تُهزم بعد ولن تهزم تمامًا، حتى لو هزمت الكتائب الأربع المتبقية في رفح، فإنه مشكوك في كل الأحوال أن تؤدي العملية المخطط لها في رفح إلى ذلك".

أزمة طاحنة

وبالإضافة لذلك، نشب خلاف داخلي متعدد الأوجه، ولكن ذلك ارتبط إلى حد كبير بالفشل الميداني العسكري، وسط تأكيدات عسكرية، وتقارير الاستخبارات الأميركية، أن حماس لم تفقد منظومة القيادة والسيطرة، وبقيت خلاياها تعمل في كل مناطق القطاع، فضلًا عن نجاح محدود للاحتلال في تدمير الأنفاق التي زادت تقديرات طولها عن 500 كم (مساحة قطاع غزة 360 كيلومترًا مربعًا).

وقد تعرّض نتنياهو لانتقادات لاذعة؛ بسبب إصراره على الاستمرار بالحرب وَفق مصطلح النصر الكامل، وقيامه بالتّعطيل المتعمد للتوصل لاتّفاق تبادل أسرى مع المقاومة؛ لأنه يدرك أن مجرد توقّف الحرب لأسابيع معدودة سيعرض حياته السياسية للخطر، ويدفع به للمحاكمات بالفساد والفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وعلى الرغم من تردّد غانتس وآيزنكوت باتخاذ موقف صارم من نتنياهو، فقد كانت مواقف رئيس الوزراء السابق إيهود باراك واضحة، فضلًا عن الانتقادات المستمرّة من رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وآخرها ما قاله في مقال في "هآرتس": إن الحرب على غزة انتهت فعليًا قبل 3 أشهر، ولا يوجد سبب للادّعاء باستمرارها، مؤكدًا أنه لا يمكن استعادة الأسرى الإسرائيليين إلا من خلال إنهاء الحرب، واصفًا من يتصور غير ذلك بأنه "واهم".

أمّا الخلاف الآخر، والذي يرتبط أيضًا بالفشل الميداني، فهو خطة ما بعد الحرب، حيث رفضت حكومة نتنياهو بإصرار أيّ دور للسلطة الفلسطينية بغزة، وأصرت في المقابل على استخدام أشخاص غير مرتبطين بها، وحاولت استمالة عائلات، ولكنها فشلت في المسعيَين.

ورغم أنّها وافقت على أدوار لدول عربية ولو مؤقتًا، فإنّ ذلك قُوبل بالرفض من مصر، والأردن، والإمارات، حيث ربطت هذه الدول أيّ دور لها بانسحاب قوّات الاحتلال من غزّة، وضمن إطار حلّ سياسي تكون السلطة الفلسطينية موجودةً فيه.

ويحاول نتنياهو بهذا الموقف إرضاء شريكَيه اليمينيَين المتطرفَين (بن غفير وسموتريتش)، الأمر الذي يشعل الخلافَ مع بقية الشركاء الحكوميين، ومع الولايات المتحدة التي طالبت بسلطة فلسطينية محسّنة، وفي إطار طرح حلّ الدولتين الذي رفضته حكومة الاحتلال أيضًا.

وفي هذا السياق، نستحضر رأي الكاتب الأكثر شهرةً في "يديعوت أحرنوت" ناحوم برنياع، والذي يقول: "من الصعب أن نرى القوة التي ستنشأ، أنها تحظى بتأييد جماهيري داخلي بدون أن تقاتلها حماس. أما خيار السلطة الفلسطينية، فسيِّئ هو الآخر. استطلاعات الرأي في الضفة تشير للتأييد الكبير لمذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولا يزالون في جهاز الأمن يقولون إن هذين الخيارين أقل سوءًا من الوضع القائم الذي من غير الصواب أن يبقى أكثر من ذلك، إذ إنه يسحق إنجازات الجيش الإسرائيلي حتى الآن".

ولكن مسألة اليوم التالي لحماس لا يمكن أن يتاح لها التنفيذ على الأرض إلا في حالة واحدة، وهي القضاء على حركة حماس، وهذا ثبت عمليًا أنه غير ممكن التحقيق؛ لأن حماس هي تنظيم متجذّر داخل الأرض الفلسطينية وخارجها، ولأنّها استطاعت حتى الآن إفشال مخططات الاحتلال، من خلال صمود كوادرها العسكريّة، وانبثاث الكوادر المدنية التي تمنع أي قوّة مهما كانت أن تحلّ محلها.

وفي المقابل، فإن حماس أعلنت مرارًا أنها ستقبل بالشراكة الوطنية، بل وربما تتخلى عن الحكم المباشر لصالح حكومة كفاءات، شريطة أن تكون نتيجة توافق وطني، وليست نتيجة ضغوط الاحتلال.

وقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أنّه "بعد 7 شهور، أصبح بقاء السنوار على قيد الحياة رمزًا لفشل الحرب الإسرائيلية، التي دمرت جزءًا كبيرًا من غزة، لكنها تركت قيادة حماس العليا سليمة، وفشلت في تحرير معظم الرهائن"!

تخلخل الغطاء الغربي

غير أنّ أخطر تداعيات الحرب، هو انقلاب التأييد الغربي للحرب التي شنها الكيان بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى النقيض، وذلك بسبب حجم الإجرام الصهيوني، وتركيز الاحتلال على المدنيين بالقتل والتجويع، لدرجة أنّ معظم الدول الحليفة لأميركا أصبحت تطالب بوقف النار، مثل: بريطانيا، وفرنسا، وكندا.

كما اضطرت الولايات المتحدة في 20 فبراير/شباط الماضي، لاستخدام الفيتو لعدم تمرير مشروع قرار جزائري بمجلس الأمن يدعو لوقف النار الفوري، وذلك رغم موافقة 13 عضوًا عليه وامتناع بريطانيا فقط عن التصويت.

ولكن واشنطن امتنعت بعد نحو شهر من ذلك عن استخدام الفيتو؛ لتمرير قرار يدعو لوقف إطلاق النار (غير دائم)، وذلك بهدف ممارسة ضغط ناعم على الكيان للتعامل إيجابيًا مع مساعيها مع الوسطاء لترتيب وقف إطلاق النار.

ورغم أن الولايات المتحدة قدّمت دعمًا عسكريًا وسياسيًا شاملًا للعدوان الصهيوني، فإن طريقة إدارة نتنياهو وحكومته للمعركة، أضرت بموقف بايدن الانتخابي، بعد أن زكمت الممارسات النازية للاحتلال أنوف العالم، ما أدى لمطالبات الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي لبايدن بتقييد الدعم العسكري للاحتلال؛ لإجباره على الالتزام بالقانون الدولي في التعامل مع المدنيين، كما انخفضت نسبة المسلمين المؤيدين في بعض الولايات المتأرجحة للرئيس الأميركي، بما شكّل ويشكّل تهديدًا لفرصه في الانتخابات الرئاسية المتوقعة في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام.

وقد وصلت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى قناعة بفشل الاحتلال في مهمة القضاء على حماس بغزة، ضمن مهل زمنية مدَّدتها الإدارة الأميركية مرارًا، بما يسمح لإحلال وقف إطلاق نار مستدام يهيئ الأجواء لعملية التطبيع في المنطقة، وهو الملفّ الذي يريد بايدن أن يحمله كرافعة له في الانتخابات، ويرفضه نتنياهو بالمقابل.

وفيما لا تزال هذه الخلافات قائمة، فإن نتنياهو يفشل في تحقيق أهدافه، وإن كان مستمرًا في التصعيد في غزة، وهو ما يؤجل إمكانية الوصول لصفقة أسرى، إلى حين انتهاء مهمّة جيش الاحتلال في رفح وجباليا والزيتون، وغيرها.

وسيُبقي ذلك العلاقات مع الولايات المتّحدة على نار حامية، دون أن يكون هناك احتمالٌ لممارسة إدارة بايدن أيَّ ضغط حقيقيّ على الكيان، ولا اتخاذ إجراءات حقيقية بحظر أنواع محدّدة من الأسلحة عنه.

لا نصرَ لنتنياهو

والخلاصة أن حماس ما زالت في موقع قوي ميدانيًا، وتستطيع التمسك بمطالبها بوقف النار والانسحاب والإغاثة والإعمار، فيما الاحتلال لم يحصل على النصر الذي يريده، ويستطيع من خلاله ممارسة ضغوط على المقاومة لدفعها لتقديم تنازلات.

وقد يؤدي تنفيذ مجازر فلسطينية جديدة إلى تداعيات سلبية على الكيان، بما في ذلك تفعيل أوامر من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين من الكيان على رأسهم نتنياهو، وكذلك تفعيل طلب وقف النار، والإبادة الجماعية من قِبل محكمة العدل الدولية، وتسعير ما يمكن تسميته بانتفاضة الجامعات الأميركيّة.

بل إن ذلك قد يعقّد العلاقة مع الإدارة الأميركية؛ لأنه قد يثير مخاوف الحرب الإقليمية بتصعيد المواجهات في الشمال، ومع الحوثيين، وهو الأمر الذي يتعارض مع السياسة الأميركية التي تريد الهدوء في المنطقة للتفرّغ للصين وروسيا.