مقيد اليدين على مدار 24 ساعةً بأصفاد حديدية تسببت ببتر أطراف العديد من المعتقلين، معصوب العينين حتى خلال ساعات النوم لا يرى إلا اللون الأسود غالبية اليوم، لا يعرف اليوم ولا التوقيت ولا أين يتواجد، يجبر على الجلوس نحو 18 ساعة يوميًا على ركبتيه، تُطلق عليهم الكلاب، يشبحون لساعات طويلة، يضربون بشكلٍ وحشي، هذا بعض مما عاشه الصحفي ضياء الكحلوت (38 عامًا) خلال اعتقاله في معسكر سدي تيمان الإسرائيلي، فتحولت القاعدة العسكرية الواقعة بالنقب ما وصفته جهات حقوقية بـ "غوانتانامو إسرائيل".

داخل أحد الأقفاص الحديدة التي تشبه الحظائر التي تحتجز فيها الحيوانات، احتجزت قوات الاحتلال الكحلوت 33 يومًا رأى خلالها ألوانًا من التعذيب والمعاملة القاسية، إلى أن جرى الإفراج عنه في 9 يناير/ كانون ثاني 2024.

بدأت رحلة معاناة الكحلوت عندما نزح من منزله الواقع غرب مدينة غزة التي تعرضت لقصفٍ إسرائيلي متواصل دُمرتْ خلاله أحياء كاملة، إلى منزل والده الواقع في منطقة بيت لاهيا شمال القطاع.

أجواء قاسية

صبيحة 7 ديسمبر/ كانون أول 2023، الساعة الخامسة صباحًا، أفاق الكحلوت على حركة آليات وجرافات تابعة لجيش الاحتلال تقترب من الحي الذي يتواجد فيه، وتبعه صوت جنود عبر مكبرات الصوت يطلبون من الشباب النزول من المنازل وتسليم أنفسهم وخلع ملابسهم والبقاء بالملابس الداخلية السفلية، فيما طلبوا من النساء والأطفال كبار السن التوجه إلى مستشفى كمال عدوان.

في مشهد يشبه ما كان يحدث خلال الحروب العالمية "الأولى والثانية" وحروب الإبادة، جُمّع أكثر من 300 شاب وأجلسهم الجنود على ركبهم وهم مقيدو اليدين ومعصوبو العينين، "جاؤوا بثلاث عربات عسكرية وشاحنات ونقلونا خارج موقع زيكيم العسكري، وهناك جرى التحقيق الميداني مع العشرات" ملامحه ترزح تحت الآلام، تتكدس الآهات في صدره وصوته وهو يروي لـ "فلسطين أون لاين" شاهدته عن أكثر سجون الاحتلال دموية.

بقي الكحلوت الذي يعمل مدير مكتب العربي الجديد في غزة في مواجهة البحر مجردًا من ملابسه باستثناء الملابس الداخلية السفلية في أجواء قاسية وشديدة البرودة، يقول "جرى التحقيق معي حول عملي الصحفي، وتقرير أنجزته لصحيفة العربي الجديد عام 2018، فتعرضتُ للإهانة الضرب والإساءة وعندما علموا أني صحفي أصبحوا يستهزئون بي بصوت مرتفع".

"كنت أناقشهم بصوت مرتفع وأتحداهم بأن يكون بيننا مقاوم، ولأن حجتي قوية وضعا لاصقا على فمي لمنعي من الحديث" بانتهاء الحوار نقل إلى موقع "سدي تيمان" الذي عرف أنه تواجد فيه بعد الإفراج عنه.

كان يسترسل بكلامه كأن المشهد حي أمامه، "منذ اليوم الأول كنت مقيد اليدين طوال 24 ساعة لا تفك القيود، مغمى العينين حتى خلال النوم، وخلال أول 25 يوما داخل السجن جرى اجباري على الجلوس 18 ساعة على ركبتي من الرابعة فجرا حتى الحادية عشرة مساءً مما سبب لي تقرحات جلدية وآلاما دائمة، فعانيت جدا من هذه الخطوة وكانت أصعب مما عانيته بالسجن".

روتين قاس

بعد دقائق من الاستيقاظ يطلب الجنود من المعتقلين إبعاد البطانية الخفيفة ووضعها أمامهم، ويبدأ الروتين اليومي المتكرر بالجلوس لعشرين ساعةً، وهم يرتدون ملابس خفيفة في أجواء شديدة البرودة، فكان الشهر الذي أمضاه أشبه بثلاثين عامًا من المعاناة والقهر وكل أنواع الذل التي تركت ندوبًا دائمًا في ذاكرته.

تعرض الكحلوت للضرب بين الحين والآخر بحجة مخالفة التعليمات، وسبب العقاب تحريك جسده قليلاً حتى لا يصاب بالأوجاع أكثر، كان لا يسمح له بالذهاب لدورة المياه إلا مرة في اليوم.

كحال آلاف المعتقلين الذين جرى احتجازهم في "سدي تيمان" لم يسلم الكحلوت من الشبح والضرب لعدة مرات، يحلق مع ذكريات مؤلمة بقيت دفينة في وجدانه "كان الجنود يستمتعون في إهانتنا، مثلا كنا نتمنى أن نعرف الساعة ولم يجيبونا. طريقة إيقاظنا من النوم كانت قاسية يتم طرق جدران الزينكو أو الحديد بشكل كبير من قبل الجنود، فضلا عن إجبارنا على ترديد شعارات مثل "تحيا مدن إسرائيل".

لم تقدم الأدوية للمرضى والجرحى وكبار السن إلا بحدها الأدنى، وفي كثير من الأحيان التي شاهدها الكحلوت، كان الجنود والأطباء يفتعلون مشكلة لفض طابور انتظار المرضى للحصول على دواء بالتالي لا يحصل على الدواء إلا ثلاثة أشخاص.

تنكأ الجراح ذاكرته كما كانت تشتد على جسده خلال الاعتقال "عانيت في الحصول على دواء نتيجة الإرهاق الشديد و"الغضروف" الذي أصابني في الظهر والرقبة، فلم أتلقَ أي دواء إلا قبل الإفراج عني بيومين حينها أعطوني مسكن آلام".

ما كان يقرأ عنه في "غوانتانامو الأمريكي" في العراق، عاشه الكحلوت في "سدي تيمان" الذي أظهر كل وحشية دولة الاحتلال. بصوت يسكنه الغضب يردف "كانت التعليمات تأتي بنظام إلكتروني لضابط يحمل هاتفا، بأن يتم معاقبة كل السجن الآن، أو تدخل وحدة القمع، يطلبون منك التيمم للصلاة رغم وجود الماء بقربنا، لا يسمحون لنا بالشرب رغم وجوده بقربك".

ووثقت مقاطع فيديو متداولة تجريد المعتقلين من ملابسهم وهم مكبلون بالأصفاد ومعصوبو الأعين، مما أدى إلى بتر أطراف العديد من المعتقلين بسبب جراح تقييدهم بالأصفاد، وأدى التعذيب الوحشي إلى وفاة 27 معتقلاً وفق تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية في فبراير/ شباط الماضي.