مع تباشير الفجر الأولى، يعتاد المسن أبو خالد، الذي يقطن في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، توجيه خطواته نحو أحد فروع المصارف الوطنية في منطقة سكنه، لاستلام راتبه ومع ذلك، فإن جهوده تبوء بالفشل ويعود بخفي حنين، نظرًا للنقص الحاد في السيولة النقدية المتاحة في المصرف، وإلى الازدحام الكبير الذي يحيط بأروقته الداخلية والخارجية.
يقول أبو خالد لـ "فلسطين أون لاين"، الموظف في القطاع العام، إن وزارة المالية في رام الله قامت بتحويل جزء من راتبه بنسبة 70% منذ السابع من أبريل، ولكنه لا يستطيع استلام المبلغ المالي بسبب إغلاق المصرف أبوابه تحت ذريعة الحرب الدائرة على قطاع غزة، واكتفائه بإجراء المعاملات المالية لعملائه عبر أجهزة الصراف الآلي والتطبيقات الإلكترونية.
ينضم أبو خالد إلى طوابير كثيرة من الموظفين والعملاء الذين يرغبون في استلام رواتبهم وودائعهم المالية، ولكنه يجد أن الشيقل ينفد من المصرف قبل وصول دوره، وهذا الوضع يتكرر في كل زيارة.
يلاحظ أيضًا أن الخيار الوحيد المتاح له هو تحويل راتبه من الشيقل إلى الدينار الأردني، وإذا وافق على ذلك، فإنه سيشتري الدينار بسعر البنك، الذي يكون أعلى من السعر السوقي المحلي، وعند تحويله مرة أخرى إلى الشيقل سيكون سعر البيع أقل، مما يؤدي إلى خسارة تقدر بحوالي 50 شيقلاً مقابل كل 100 دينار.
يشير أبو خالد إلى، أن العديد من الموظفين اضطروا لاتخاذ هذا الإجراء نظرًا لحاجتهم المالية الناجمة عن الحرب التي أدت إلى ارتفاع حاد في الأسعار.
ويذكر أيضًا أن حياته وحياة ابنته كانتا معرضتين للخطر عندما خرجا مبكرًا إلى المصرف، حيث تعرضا لمسيرة إسرائيلية من نوع "كوات كابتر"، والتي استخدمت أشعة ليزرية حمراء، وتم استبدالها باللون الأخضر بسرعة، لولا عناية الله، كانت النتيجة كارثية، خاصة في ظل الهجوم الإسرائيلي الذي أسفر عن استشهاد العديد من الأشخاص في مخيم النصيرات.
وأوضح الشاب محمد أن أخاه، الذي يسكن في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، قد قدم له مساعدة مالية بمبلغ 2000 شيقل لمساعدته في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها قطاع غزة. ومع ذلك، واجه صعوبات في استلام المبلغ من مصرفه المحلي، فاضطر للتوجه إلى أحد مكاتب الصرافة القريبة من المصرف.
وطُلب منه دفع عمولة بنسبة 20% على كل 100 شيقل تحولها، حيث يتم تنفيذ عملية التحويل من حسابه البنكي إلى حساب صاحب المكتب، وبعد ذلك يتلقى الشاب المبلغ النقدي، لكن يتم خصم 20 شيقلاً عن كل 100 شيقل تم تحويلها.
وفي سياق متصل، أشار الموظف أبو ماهر إلى أن حالة من الفوضى تسيطر على المصارف، حيث يحاول السماسرة استغلال وضع المواطنين، مع تعريضهم للضرب والإهانة
كما أشار إلى، أن بعض التجار بدأوا يستغلون الأزمة، حيث يطلبون من الموظفين تسليمهم رواتبهم على شكل بضاعة بعد ان يتم تحويل قيمتها عبر الحسابات البنكية الالكترونية.
في السياق أعرب مدير منطقة غزة في البنك الإسلامي الفلسطيني، عدنان الفليت، عن استيائه الشديد جراء الاتهامات المتكررة للبنك بدوره في إثارة أزمة نقص السيولة النقدية الحالية.
كما استنكر الأضرار التي لحقت بمقدرات البنك نتيجة لأعمال التخريب التي قام بها بعض المنفعلين والمستغلين الحالة الراهنة للحرب في قطاع غزة.
وأوضح الفليت لـ "فلسطين أون لاين"، أن إدارة البنك الإسلامي الفلسطيني، بالتنسيق مع سلطة النقد، قد طلبت من الحكومة الإسرائيلية إيداع السيولة النقدية من الشيقل والدولار والدينار في البنوك، بهدف تسليم رواتب الموظفين وتسهيل المعاملات المالية للمودعين دون مشكلات. ومع ذلك، فشلت مطالبهم في هذا الصدد.
وأشار الفليت إلى، أن إدارة البنك قد طلبت من اللجنة الدولية للصليب الأحمر السماح لطاقم البنك بجلب السيولة النقدية الموجودة في الفروع المغلقة في غزة وشمالها إلى الفروع في وسط وجنوب القطاع، وهو محاولة أخيرة لتخفيف نقص السيولة النقدية.
وأوضح الفليت أن المؤسسات الدولية مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" كانت في السابق تقدم الدولارات إلى البنوك لصرف رواتب موظفيها، ولكن هذا الأمر لم يعد متاحًا الآن، مما زاد من تعقيدات الوضع المالي.
وفيما يتعلق بمصادر السيولة النقدية، أوضح الفليت أن البنك يتواصل مع التجار الرئيسيين ويطلب منهم إيداع أموالهم النقدية، ولكن هذه الكميات محدودة للغاية بسبب ضعف التجارة الداخلية وانخفاض التجارة الخارجية.
وأشار إلى، محاولات بعض محلات الصرافة استغلال الأزمة، حيث تطلب من التجار تحويل النقد مقابل زيادة محدودة في رصيدهم البنكي أو تحويل عملاتهم من الشيقل إلى الدينار أو الدولار، مستفيدةً من زيادة محدودة.
ونفى الفليت دخول السيولة النقدية من معبر رفح جنوب قطاع غزة وتوجيهها إلى البنوك في رفح.
وأعرب عن استيائه الشديد جراء الفوضى التي تسود عمليات السحب من الصرافات، والتي وصلت حد الاعتداء على المواطنين والأجهزة، مشيرًا إلى ندرة الدولار في البنوك المحلية بسبب السحب الزائد من قبل المواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج، حيث تطلب مكاتب التنسيقات السفرية الدولارات.