اتخذ الاحتلال قراره بالرد على الهجوم الإيراني عليها في ١٤ أبريل الجاري والذي جاء ردا على الاعتداءات الاسرائيلة المُتكررة عليها والتي كان آخرها استهداف قنصليتها في دمشق في الأول من أبريل الجاري ما أدى الى مقتل العديد من عسكرييها.
اتُخذ القرار الاسرائيلي باجماع مجلس الحرب بحسب وسائل إعلام اسرائيلية وتصريحات اعضاء مجلس الحرب، وهذا يُعد نجاحا كبيرا لنتنياهو في جر الجميع بما فيهم الادارة الامريكية لتوسيع دائرة الحرب إلى الإقليم بعد عجزه عن تحقيق أياً من أهداف عُدوانه على غزة المُستمر منذ أكثر من ستة أشهر.
لذلك هو يُدرك ان استمرار فشله في الحرب سيُعرضه للمُسائلة القانونية التي لن تمرّ الا بانتهاء مستقبله السياسي ودخوله الى السجن.
أما نجاحه في إتخاذ قرار الرد على الرد الايراني باجماع مجلس حربه بما يضم من جنرالات قوية، فقد أوجد لنفسه مخرجين آمنين يمكن أن ينجو بأحدهما.
الأول: إجباره من قبل الولايات المتحدة في نهاية المطاف على وقف الحرب اذا ما تدهورت الامور لتصل إلى حافة الحرب الشاملة، وبذلك يكون نتنياهو قد نجى من العقاب وظهر بمظهر الحريص على مصلحة الدولة باستجابته لضغوط الحليف الاستراتيجي الخارجة عن ارادته، وهو ما لن يُنكره عليه أياً من القيادات الرصينة في اسرائيل بما فيها المعارضة.
الثاني: أن يأخذ المنطقة والولايات المتحدة إلى حرب غير معلومة النتائج مُنفذاً قرار مجلس الحرب الذي اجمع على ضرورة الرد على الرد الإيراني وبذلك يكونون شُركائه في تحمّل المسؤولية وبالتالي ينجو بنفسه. استرايجيا لا تستطيع اسرائيل السكوت عن الضربة الإيرانية لان هذا يعني ببساطة تهشيم الردع الاسرائيلي وعليها أن تقبل بقواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها إيران بعد ١٤ أبريل ٢٠٢٤. وهذا يعني ببساطة تجرؤ كل أعداء "إسرائيل" بل والخائفين منها عليها بشكل خطير.
لذلك تقف "إسرائيل" أمام خيارين في عملية الرد
الخيار الاول: الرد الناعم أن ترد بشكل ناعم من خلال ضربة سيبرانية كبيرة على المرافق الحيوية في ايران وهذا ما تُحبذه الولايات المتحدة والغرب- وتحث اسرائيل عليه -حتى تستطيع ايران استيعاب الرد الاسرائيلي ويتجنب الجميع اندلاع مواجهة مفتوحة بين الجانبين قد يجد الامريكان والغرب نفسيهما منخرطين فيها مما سيُسعد الصين وروسيا المُتربصتين.
الخيار الثاني: الرد الخشن ان ترُد اسرائيل على الضربة الإيرانية بشكل عسكري او استخباري داخل الأراضي الإيرانية او تكرار نموذج القنصلية الإيرانية في دمشق في موقع اخر.
وهنا ستكون اسرائيل أمام مسارين:
إما أن يكون الرد محدودا تستوعبه إيران مع ضغط دولي عليها، وإما أن يكون قويا ومُكافئاً للضربة الإيرانية من خلال قراءتنا لكل المعطيات السياسية والاستراتيجية نعتقد أن اسرائيل ستختار المسار الثاني من الخيار الثاني وستضرب ايران بضربة مكافئة للضربة الايرانية لها اذا ما ارادت ان تستعيد قوة ردعها المهدورة بعد السابع من اكتوبر ٢٠٢٣.
أما إيران التي يبدو أنها انتهت من مرحلة الصبر الاستراتيجي الذي استمر لأكثر من (٤٠) عاما في صراعها مع اسرائيل قررت أن تدخل مرحلة الفعل الاستراتيجي والذي بدأته في الرابع عشر من أبريل ٢٠٢٤ مدفوعة بأربعة عوامل حاسمة:-
١. الانكشاف الخطير لحقيقة القوة الاسرائيلية الموهومة خصوصا بعد السابع من أكتوبر وعدوانها على غزة. والتي أظهرت عجز اسرائيل وعدم قدرتها على حماية نفسها بدون دعم غربي وامريكي لا محدود وبالتالي انهيار منظومة التحالف العربي الاسرائيلي التي كانت تُعد لمواجهة إيران.
٢. الاستنزاف الكبير للجيش الاسرائيلي في عدوانه على غزة منذ أكثر من ستة أشهر على أيدي حُلفائها في غزة ولبنان واليمن دون أن يُحقق أياً من أهداف الحرب.
٣. ثمة احتمال كبير بأن إيران قد تمكنت من امتلاك سلاح نووي يحميها من أي تهديد نووي اسرائيلي أو أمريكي في حال اندلاع مواجهة شاملة، خصوصا وانها كانت على أعتاب هذا الإنجاز منذ أكثر من عامين ولم يكن ينقُصها الا اتخاذ القرار السياسي للتنفيذ.
٤. إدراك ايران العميق للتردد الأمريكي والغربي في مُساندة اسرائيل عسكريا اذا ما اندلعت مواجهة مباشرة بينها وبين إسرائيل نتيجة لستة أسباب رئيسية:-
أ- انشغال أمريكا والغرب بالحرب الروسية على أوكرانيا والخوف من استغلال بوتين للانشغال الجديد في الشرق الأوسط وتطوير هجومه على أوكرانيا ومن ثم كسب الحرب.
ب- الخوف على أكثر من (٤٠) ألف جندي أمريكي مُتواجدين في القواعد الامريكية المُنتشرة في دول الخليج والاردن وسوريا والذين سيصبحون أهدافا سهلة لايران والجماعات العسكرية المسلحة الموالية لها في كل المنطقة.
ج- الخوف الأمريكي من إقدام الصين على اجتياح تايوان إذا ما أدركت الصين أن أمريكا تورطت في حرب جديدة بمنطقة الشرق الأوسط وتشتت قوتها.
د- الخوف الاوروبي والامريكي من ارتفاع أسعار النفط والغاز بشكل جنوني قد يصل الى عتبة ال (٢٠٠$) للبرميل مما سيؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية العالمية خصوصا وأن إيران وحُلفائها قد يكون لديهم القدرة على عرقلة امدادات النفط الخليجي للعالم.
ه- الخوف من انفجار الشعوب العربية التي تغلي نتيجة لتخاذل أنظمتها عن نصرة غزة في وقتٍ يتعرض فيه الفلسطينيون لمجازر وحرب ابادة جماعية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث على يد "إسرائيل" ما قد يُسرع في سقوط تلك الانظمة، الامر الذي سيُؤدي الى فقدان السيطرة الامريكية والغربية على المنطقة وبالتالي ضياع مصالحها بسبب المغامرات الاسرائيلية غير المحسوبة.
و- الانشغال الأمريكي بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية الداخلية في ظل بروز تيار حاد شبابي تقدمي في الحزب الديمقراطي مُناهض لسياسات الادارة الامريكية تجاه الحرب في غزة مما سيُضعف فرص الرئيس بايدن في الحصول على فترة رئاسية جديدة، يُرافق ذلك انقسام حاد في الرأي العام الأمريكي حول الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل على حساب المصالح الامريكية وتحطم الصورة الأخلاقية للولايات المتحدة أمام العالم بسبب دعمها لإسرائيل في ارتكاب المجازر وقتل النساء والاطفال في غزة ضاربة بعرض الحائط كل الاعراف والمواثيق الدولية التي تسوقها على العالم.
وفي المقابل: يبدو ان إيران تقرأ المشهد العالمي المتغير جيدا وتسعى لتجيره لصالحها لتكون هي الرابح الأكبر فيه.
لذلك اعتقد ان إيران سترد على اي اعتداء عسكري أو استخباري اسرائيلي متوسط أو كبير وهو ما أكده الرئيس الإيراني رئيسي وقيادات عسكرية إيرانية رفيعة ومن المرجح أن تعتمد إيران على الاستخدام الجيد للقانون الدولي بحقها في الرد على اي اعتداء عليها مما يُتيح للصين وروسيا تغطيتها سياسياً وقانونياً في مجلس الأمن.
ومن المُتوقع ان يُدخل الرد الايراني على الرد الاسرائيلي المُتوقع المنطقة في موجة من الرد والرد المُضاد حتى يجد الطرفين نفسيهما مُنخرطين في مواجهة مفتوحة على أعتاب الصيف القادم، اي بعد أشهر قليلة.
اللهم إلا إذا مورست على الطرفين ضغوط خارجية كبيرة لا يستطيعان تجاوزها، أو تراجع أحد الطرفين نتيجة لعوامل داخلية وهذا مُستبعد لان تراجع أحدهما سيعني انكفائه وتراجعه اقيلميا وبالتالي ستكون خسارته الاستراتيجية فادحة. قابل الايام ستكشف لنا حقيقة ما ينتظر المنطقة.