أثار مقترح الرئيس الأمريكي بايدن إنشاء رصيف مؤقت على شواطئ غزّة لإدخال المساعدات عبر البحر، تساؤلات عديدة حول الجدوى من هذا المقترح وتوقيته والأهداف الخفيّة وراءه.

وكان بايدن قد أعلن أنّ جيش بلاده سيبني ميناء مؤقّتا على ساحل قطاع غزة لإيصال المساعدات الإنسانية عن طريق البحر، ويفترض أن يتم ذلك انطلاقا من جزيرة قبرص.

وتأتي خطة بايدن وسط تحذيرات دولية من تفشّي المجاعة في غزة البالغ عدد سكانها نحو 2 مليون و300 ألف، وذلك بعد 5 أشهر من الحرب الصهيونية التي دمّرت القطاع، وتسبّبت في كارثة إنسانية.

تجاهل للمعابر البريّة

ورغم أنّ واشنطن الداعم الأكبر للعدوان على قطاع غزّة وأمدّت الكيان المحتل بكل ما يحتاجه من دعم عسكري ومعنوي، إلّا أنّ عجزها عن فرض كلمتها بخصوص إدخال المساعدات إلى مئات الآلاف من المدنيّين الأبرياء الذين رقّ لحالهم قلب بايدن فجأة، يبدو مسرحيّة سخيفة.

فكيف للإدارة الأمريكيّة أن تتجاهل وجود 7 معابر يمكن إدخال المساعدات الإغاثيّة المستعجلة عبرها ولا تحاول الضغط على الاحتلال لفتحها وتلجأ إلى البحث عن إجراءات أصعب وأعقد، مثل الإنزال الجوّي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع أو الحديث عن إنشاء رصيف بحري لاستقبال المساعدات فيه من البحر قادمة من قبرص.

لقطاع غزة 6 معابر مع الجانب "الإسرائيلي"، أغلقتها تل أبيب كلها، وهي تستخدم حاليا كل الوسائل لعرقلة الحركة في المعبر الوحيد الذي لا تسيطر عليه، وهو معبر رفح.

وللإشارة، فمنذ فرض الاحتلال الحصار على غزة في 2007، ظلت 5 معابر بين غزة والكيان أو الضفة الغربية مغلقة، بينما تسبّبت عملية “طوفان الأقصى” في إغلاق المعبر الأخير الذي كان يمرّ منه العمال الفلسطينيون للعمل في داخل "إسرائيل".

وتتضمّن قائمة معابر الأراضي المحتلّة مع غزة كلّا من:

– معبر المنطار (كارني): معبر تجاري يقع إلى الشرق من مدينة غزة على خط التماس الفاصل بين القطاع والكيان، وهو مخصّص للحركة التجارية.

– معبر بيت حانون (إيريز): يقع أقصى شمال القطاع، وهو مخصّص لعبور العمال والتجار ورجال الأعمال والشخصيات المهمة، وهو مغلق الآن.

– معبر صوفا: في الجنوب الشرقي من خان يونس، وهو يصل القطاع والكيان، ويستخدم لدخول العمال ومواد البناء إلى قطاع غزة.

– معبر كرم أبو سالم (كيرم شالوم): يقع جنوب القطاع، وهو مخصّص لاستيراد البضائع من مصر، ويستخدم غالبا بديلا "إسرائيليّا" لمعبر رفح.

– معبر ناحل عوز: وهو معبر مهجور ومغلق، حُوّل إلى موقع عسكري، بعدما كان مخصّصا لدخول العمال والبضائع.

– معبر القرارة (كيسوفيم): يقع شرق خان يونس ودير البلح، وهو فعليا بوابة التحرّك العسكري الصهيوني لمهاجمة القطاع.

كل هذه المعابر يمكن أن تدخلها شاحنات المساعدات، لكن بايدن يريد بناء ميناء بينما يدفع للكيان المحتلّ لقصف ميناء غزة المزدهر.

مخاوف وشكوك وأهداف “خبيثة”

المخاوف والشكوك التي أثارها المقترح الأمريكي، هي أن تكون خلف هذا الإجراء أهداف أخرى “خبيثة”.

واشنطن التي دعمت الكيان المحتلّ عسكريّا دعما مطلقا عبر موافقتها على أكثر من 100 صفقة مبيعات سلاح للكيان المحتل وسلّمتها لها منذ بداية حربها المدمّرة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الأول العام الماضي، وفق ما كشفته صحيفة واشنطن بوست.

وأكّدت الصحيفة الأمريكية أنّ المبيعات تضمّنت آلاف الذخائر الموجّهة، والقذائف الخارقة للتحصينات، وغيرها من المساعدات الفتاكة.

والتساءل المطروح: كيف لإدارة تمعن في قتل الفلسطينيين في غزة عبر إمدادات السلاح اللامحدودة لـ”إسرائيل”، أن يصحو ضميرها فجأة، لتقرّر فتح ممر بحري للمساعدات.

في هذا السياق أكّد الخبير الأردني في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، هشام خريسات، أنّ “الرصيف العائم على شواطئ غزة، ظاهره مساعدات وباطنه هجرة طوعية إلى أوروبا”.

ولفت الخبير في حديث لموقع “عربي 21″، إلى أنّ “هذا الميناء التكتيكي العسكري سيلقى مباركة "إسرائيلية"؛ لأنّ رئيس الوزراء دولة الاحتلال يتطلّع إلى فكرة طرحه منذ بداية الحرب، بهدف التهجير الطوعي للغزيين، والهروب إلى أوروبا”، مشدّدا على أنّ “إسرائيل ستوافق على الميناء لسببين، وهما تمرير صفقة تبادل الأسرى، والهجوم البري على رفح دون إغضاب واشنطن”.

ومن شأن هذه الخطوة من وجهة نظر خريسات أن يخرج معبر رفح عن الخدمة بالتأكيد؛ “لأن الكيان لا يثق به، ويعتبره المدخل الرئيسي لأسلحة حركة حماس”.

ميناء لتهجير الفلسطينيّين

من جهته، اعتبر الكاتب السياسي، محمد المختار الشنقيطي أنّ بناء أمريكا للميناء، ليس لنقل المساعدات، بل لنقل أهل غزة إلى قبرص، وتشتيتهم في أرجاء العالم، وتمليك غزة وحقول غازها للدولة اليهودية.

ويرى الشنقيطي أنّ أمريكا لو كانت تريد مساعدات لغزة لكفاها أن تأمر السيسي بإدخال المساعدات التي تعفّنت في الشاحنات في رفح.

أما وزير الخارجية التونسي السابق، رفيق عبد السلام، فقد قال إنّ الأمريكيين يريدون التسلّل إلى غزة تحت غطاء إقامة ميناء للمساعدات الغذائية.

ويعتقد عبد السلام أنّ ما عجز الإسرائيلي عن تحقيقه بعد قتال دام خمسة أشهر يريد أن ينتزعه الأمريكي تحت غطاء تقديم الإغاثة للغزاويين بعد إعطاء غطاء لتقتيلهم وتجويعهم.