منذ طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن فكرة "الميناء العائم" لإيصال المساعدات "الإنسانية" إلى قطاع غزة، تواردت الكثير من التساؤلات عن الأهداف الكامنة، خصوصًا وأنها تأتي في وقتٍ تتعمق فيه المجاعة في محافظتي غزة وشمال قطاع غزة، ويحتاج تطبيق الميناء الأمريكي أسابيع طويلة حتى يعمل، وعلى الجانب المقابل هناك معابر برية تتكدس على امتدادها شاحنات المساعدات الكفيلة بإغاثة القطاع بشكل عاجل.
ووفق التصريحات الأميركية فإن الجسر البحري يحتاج إلى أسابيع حتى يعمل، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن عملية بناء الميناء العائم ستستغرق 60 يومًا، وسيشارك فيها على الأرجح أكثر من ألف جندي، ووفق تقديرات أوروبية فإنه يمكن أن ينقل ما يعادل 200 شاحنة فقط يوميا".
من جهته، يرى الكاتب والباحث السياسي محمد غازي الجمل أن الميناء بهذا الشكل لا يوفر نصف الحاجة اليومية للقطاع، ولا يشكل حلًا جذريًا للأزمة الإنسانية، "في حين يكمن الحل في ممارسة الضغط الكافي على دولة الاحتلال لإدخال المساعدات برا بالقدر المناسب".
وقال في تصريحات صحفية، إن الولايات المتحدة تخشى من تداعيات تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع، لما لذلك من تأثير محتمل على مصالحها وقواتها في المنطقة وحول العالم.
ويضيف، أنه على المستوى الإستراتيجي فقد كان ملف حقوق الإنسان أداة أساسية لعمل السياسة الخارجية الأميركية ومبررًا للتدخلات العسكرية والعقوبات الاقتصادية ضد العديد من دول العالم، وتخشى من أثر صمتها وتواطئها مع جرائم الاحتلال في غزة على فعالية هذه الأداة الإستراتيجية في سياستها مستقبلًا، وخصوصًا في الصراع مع الصين.
"الميناء الاحتلالي"
من جانب أخر، يقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الله العقرباوي، "في قضية الجوع أنت لا تستطيع منع الناس من الطعام ولا تستطيع الوقوف في وجه إغاثتهم"، لكن الحقيقة أن هذا الميناء أو الممر البحري "ليس هو ما كان تطالب به حركة حماس لكسر الحصار عن قطاع غزة، وقد يشكل الميناء الأميركي أداة لتشديد الحصار على الفلسطينيين".
وحذر العقرباوي في تصريحات تلفزيونية، من هذا "الميناء الاحتلالي"، قائلا إذ سمح بولوج الجيش الأميركي لتخوم غزة فهذه خطوة خطرة جدًا. ولا ينبغي الترحيب بها مطلقا".
وفي المقابل- يضيف الكاتب- أن الحكومة الإسرائيلية لا تبدي التفهم الكافي لهذه الحاجة الأميركية، وتركز بدلًا من ذلك على مساعي تهجير سكان شمال القطاع، والضغط التفاوضي على المقاومة باستخدام سلاح التجويع، ووضع العراقيل في وجه وصول المساعدات برًا، بهدف تقويض وجود أي سلطة مدنية وبالتالي تقويض مقومات التماسك والصمود في القطاع.
وقال أمام هذه الحالة، "لا تجد الإدارة الأميركية بدائل من التدخل المباشر حماية لمصالحها الآنية والإستراتيجية، وهي ترى أيضًا أن في ذلك مصلحة حقيقية لدولة الاحتلال، وإن كانت حكومة نتنياهو لا تقدرها حق قدرها".
ليست لوجستية بل سياسية
وعلى مستوى المنظمات الإنسانية والإغاثية، وصفت منظمة "أطباء بلا حدود" عزم الولايات المتحدة إنشاء ميناء إنساني مؤقت في غزة، بأنه "محاولة لحجب الأنظار عن المشكلة الحقيقية المتمثلة في الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع".
وطالبت المديرة التنفيذية للمنظمة في الولايات المتحدة، أفريل بينوا، في بيان، حكومة الرئيس جو بايدن بالضغط على إسرائيل لفتح المعابر الحدودية الجاهزة لإدخال المساعدات.
"المشكلة الحقيقية، توضح بينوا في بيان المنظمة، تكمن في الحصار الذي تفرضه "إسرائيل" على غزة واستخدام القوة غير المتناسبة".
وفي السياق، أشار بيان المنظمة إلى أن المواد الغذائية والمياه والإمدادات الطبية التي يحتاجها الفلسطينيون موجودة على الحدود، موضحةً أن المشكلة ليست لوجستية، بل سياسية. وقالت: "على الولايات المتحدة أن تصرّ على الوصول الفوري للمساعدات الإنسانية من خلال المعابر والممرات الموجودة، بدلاً من الالتفاف حول المشكلة".
والطريقة الوحيدة المضمونة لزيادة وصول المساعدات العاجلة، بحسب بينوا، هي إعلان وقف إطلاق النار في غزة.
إلى ذلك، لفت البيان، أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة ثلاث مرات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
بديلاً عن معبر رفح؟
من داخل قطاع غزة، يكتب الصحفي الفلسطيني عماد زقوت عبر حسابه على منصة x " إن هناك تخوفات من التحركات الأمريكية على شاطئ غزة وحول ما أعلنه المتحدث باسم البنتاغون أن قوات من الجيش الأمريكي ستأتي بمعدات خاصة لإنشاء ميناء مؤقت، مبينًا أن هذا يعني أن الحرب على غزة ستطول لأشهر قادمة وربما سنوات على اعتبار أن انشاء الميناء سيستمر تشييده أسابيع".
ورأى زقوت أن الميناء سيعزز فصل شمال القطاع عن جنوبه بشكل كبير، متسائلًا: هل الميناء الأمريكي في شاطئ غزة سيكون بديلا عن معبر رفح؟ وما هو موقف مصر من ذلك؟.
ورأى الصحفي الفلسطيني أن الولايات المتحدة الأمريكية تستغل الوضع الإنساني في شمال غزة لفرض واقع جديد لا نعرف ملامحه حتى الآن.
الصحفي المصري مصطفى بكري اعتبر أن إنشاء هذا الميناء يستهدف النيل من الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية، ويحاول “شيطنته”، مؤكدًا أن فيه رسالة “إساءة لمصر والزعم أنها هي المسئولة عن عدم دخول المساعدات إلي غزه وليس إسرائيل، ألم يقل بايدن هذا الكلام قبل ذلك؟”، حسب ما قال.
وأكد بكري أن إسرائيل كانت ولا زالت تقف عقبه أمام مئات السيارات المحملة بالمساعدات والتي تقف في رفح المصرية.
ويعد معبر رفح المنفذ الوحيد لغزة مع العالم الخارجي، وخاصة في مسألة دخول المساعدات الإنسانية إليه خلال هذه الحرب التي قيدت فيها "إسرائيل" دخول المساعدات للقطاع، وهو ما يهدد بحدوث مجاعة خاصة في مناطق الشمال.
وبعد الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة منذ عام 2007، أغلقت جميع معابر قطاع غزة، ما عدا معبري رفح وبيت حانون اللذين خصصا لتنقل الأفراد، ومعبر كرم أبو سالم الذي خصص لنقل البضائع.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، تتكدس شاحنات المساعدات عند معبر رفح البري، في ظل اتهامات متبادلة بين السلطات المصرية والاحتلال الإسرائيلي؛ حيث تعلن مصر دائمًا بأن المعبر مفتوح، وأن دخول المساعدات يتطلب تنسيقًا بينها وبين إسرائيل تجنبًا لقصفها، بينما أعلن مسؤولون إسرائيليون في عدة تصريحات، كان أبرزها ما صرح به الممثل القانوني لكيان الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية بأن مصر هي المسؤولة الوحيدة عن معبر رفح، وأن إسرائيل لم تتدخل بهذا الشأن.