يوافق اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، يوم أن أشرقت الأرض من مشرقها إلى مغربها بنور ربها بولادة خير الأنام، ليحفر هذا اليوم في وجدان كل مسلم ويبقى ذكرى عطرة على قلوب المسلمين أجمعين بولادة نبي الأمة، نبي أخرج أمته من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الأوثان إلى عبادة الله، فكانت ولادته نعمة عظيمة أرسلها الله لعباده لينشر النور بدلًا من الظلام، والعدل بعد الظلم، ففي هذه الذكرى الخالدة لابد من الوقوف على العبر والمواعظ.
قال الداعية عمر نوفل لـ"فلسطين": "يوم ميلاد الرسول (عليه أفضل الصلاة والسلام) هو ميلاد الأمة الإسلامية لهدايتها إلى الصراط المستقيم، وبه إحياء البشرية بعد أعوامٍ من التيه والضياع، فحمل لواء الحق والرسالة الإسلامية، لذلك في ذكرى ميلاده لابد من أخذ العبرة والموعظة التي أكدها القرآن في قوله (تعالى): {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}".
وبين أن الأمة قبل ولادته كانت في حالة من التيه والضياع، حتى إن القرآن الكريم وصف حالهم بقوله (تعالى): "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا".
وذكر نوفل أيضًا أنهم كانوا في حالة من الفرقة، فلم يكونوا على قلب رجل واحد، وكانوا مستضعفين في الأرض، خيرات بلادهم تذهب إلى غيرهم، هذا غير الفساد والقتل، وحالة الخيانة والعمالة للفرس أو الروم، فقال (تعالى): "لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ".
وأشار إلى أن مولده جاء لينهي تلك الحالة السائدة، ويصبح لهم شأنهم وقيمتهم في الحياة لما حمله من دعوة ورسالة، فجاءت ولادته بعد مخاض عسير فيه بشرى، فعند ولادته خرج من أمه نور الهداية والدعوة ملأ مشارق الأرض ومغاربها، ولكن هذا النور لم ينقطع بل يرافق كل مسلم حامل الدعوة في صدره بتطبيق أحكام القرآن وسنن النبي (عليه الصلاة والسلام)، فهذا النور انتشار للدعوة الإسلامية "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".
ولفت نوفل إلى أن ذكرى المولد النبوي مناسبة أو فرصة لكل مسلم لإعادته حساباته، إذ يتذكر بأن الله اصطفى محمدًا (صلى الله عليه وسلم) عن سائر الخلائق، ليكون قدوة لهم، عليهم اتباعه والسير على هديه والالتزام بسنته، لاسيما بعدما تكالب أعداء الله على المسلمين في هذه الأيام.
وذكر ما رُوي في البيهقي: "لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تَخْمُدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ..."، معقبًا: "هذا يدل على الهداية والحق الذي جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فالحق والباطل لا يلتقيان، خاصة أن الباطل يعيش من أجل نفسه".
وتابع نوفل حديثه: "هناك الكثير من العبر والمواعظ، ولذلك على المسلم في ذكرى المولد النبوي معرفة صفاته وأخلاقه من: رحمة ورأفة، ووفاء بالعهد والأمانة، وكرم، وحزم، فلابد من معرفة سنته للاقتداء بها".
ولفت إلى أن محبة رسول الله (عليه الصلاة والسلام) تدخل ضمن اتباع أوامره واجتناب نواهيه، لقوله (تعالى): " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ"، فربطت محبة الله بمحبة رسوله واتباع سنته.