يمسك هاتفه المحمول لا ينشغل عن أي شيء محيط به إلا في لعبة قتال يتفاعل معها بتركيز كبير، لكن المشهد أبعد من كونه طفل يمارس لعبة عندما ترفع نظرك للأعلى وترى وحدة دم تغذي جسد الطفل إبراهيم دردونة (13 عاما) أثناء جلسة غسيل الكلى في مستشفى أبو يوسف النجار بمحافظة رفح إذ وصل المشفى بحالة صعبة لم تزد نسبة الدم عن ثلاث درجات واستدعى تدخلا طبيا طارئًا.
كان الوضع داخل القسم هادئًا، النوم غلب الكثير من المرضى وغالبيتهم كانوا من كبار السن، إلا من صوت المنبهات الصادرة عن شاشة ماكينات الغسل.
أصيب الطفل دردونة بالفشل الكلوي مبكرا وبدأ بغسل الكلى من عمر ثلاث سنوات، وهو يحتاج لإجراء عملية جراحية كي يتم سحب الدم من الوريد ويحتاج لإنقاذه للسفر لخارج القطاع، فيتم حاليا غسل كليته عن طريق سحب الدم من أعلى الفخد، وقبلها كان يُسحب من رقبته.
أشارت الشاشة لتحسن في نسبة الدم التي ارتفعت إلى 9 درجات لكن شقيق الطفل متخوف من عدم قدرتهم على توفير أنبوب رفيع لنقل الدم من جسد الطفل إلى آلة الغسل بسبب صعوبة توفيره.
عمل متواصل
في داخل قسم الكلى المكتظ بالمرضى، يتوزع المرضى على 18 جهاز غسل للدم لا تتوقف ساعة واحدة بسبب تضاعف ضغط العمل، مما اضطر بإدارة المشفى لتخفيض ساعات الغسل من أربع ساعات إلى ساعتين في كل مرة وتخفيض عدد مرات الغسل أسبوعيا، وتقوم بتقسيم المرضى على أيام وساعات غسل محددة بعضهم يضطر للقدوم للمشفى مع ساعات المساء.
ويطالب مرضى الكلى بإخراجهم من القطاع لاستكمال جلسات الغسيل في إحدى الدول العربية، مع خشيتهم بدخول الاحتلال البري لمحافظة رفح والذي سيشكل خطرا على حياتهم، إذ قد تنعدم إمكانية نقلهم لإجراء جلسات الغسيل.
في داخل الصالة كان الشاب يوسف أبو سمعان يحاول حجز موعد لإحضار والده المسن لإجراء جلسة غسيل للكلى، وبصعوبة كبيرة استطاع إيجاد حجز قريب.
بملامح يعتليها القهر يقول: "وضع مرضى الكلى في غاية الصعوبة، فحالة أبي صعبة ويجب إجراء جلسة غسل قريبة، ونحن نعاني كل مرة في إيجاد موعد في ظل ازدياد أعداد مرضى الكلى".
على جهازين متجاورين كان أحمد الغوطي وزوجته إيمان يجريان جلسة غسيل، واضطرا بفعل تخفيض ساعات الغسل لاتباع أنظمة غذاء صارمة بحرمان أنفسهم من العديد من الأغذية لتخفيف معاناتهم إذ يعتبران أن ساعتي غسل غير كافية لتنظيف الكلى ويترتب عليها صعوبات صحية كبيرة في حال اتباع نفس النظام الغذائي السابق.
وليس هو النظام الغذائي هو المعاناة الوحيدة للزوجين، بل القدوم للمشفى بحد ذاته معاناة كبيرة لهما، "نضطر للوقوف لساعات كي نجد وسيلة نقل إلى هنا، وبعد كل مرة غسل لا نشعر بالراحة المعتادة قبل العدوان الإسرائيلي وهذا يؤكد أن ساعتي غسل لم تكن كافية" يلخص معاناته لصحيفة "فلسطين".
وأصيب العديد من المواطنين بفشل كلوي بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، كالحاج حسان فسفوس الذي أصابه الفشل الكلوي في يناير/ كانون ثاني بفعل إصابة بشظية صاروخ بتر على إثرها جزء من أصابعه.
يقول فسفوس في ثالث جلسة غسيل له لصحيفة "فلسطين" يتم خلالها سحب الدم من رقبته: "أخبرني الأطباء أن شظية الصاروخ كانت السبب المباشر لإصابتي بفشل كلوي، والآن أجد صعوبة في القدوم إلى هنا لحجز موعد".
خروج عن الخدمة
بحسب مدير مستشفى أبو يوسف النجار د. مروان الهمص، فإن ماكينات الغسيل خرجت عن الخدمة بفعل استهلاك الساعات المحددة لها بـ 20 ألف ساعة فوصلت ساعات العمل فيها إلى 50 ألف ساعة.
وأوضح الهمص لصحيفة "فلسطين"، بأن عدد الماكينات بالمشفى البالغ عددها 18 ماكينة لم تكن تكفي لعدد مرضى الكلى المسجلين بالمشفى قبل العدوان والبالغ عددهم 115 مريضا، وبعد نزوح سكان القطاع لمحافظة رفح أصبح عدد مرضى الكلى الذين يجرون جلسات غسيل نحو 600 مريض.
وقال: "قمنا بتقليل ساعات ودورات العمل يومين بالأسبوع، وتخفيض ساعات الغسل من 4 ساعات إلى ساعتين في كل مرة غسل"، مؤكدًا، أن هذا النظام ليس مضرا لكنه ليس صحيا، إذ تتعامل المستشفى بنظام "إنقاذ الأرواح".
وحول معاناة مرضى الكلى، أشار لعدم وجود سوائل إلا ما تقدمه منظمة الصحة العالمية من خلال دورات إنقاذيه وفي حال عدم توفرها سيموت يوميا ما يقارب خمسة مرضى، كاشفا، بوفاة عدة حالات بمرضى الفشل الكلوي، بسبب عدم وجود دواء وغذاء وصعوبة الغسيل وعدد مرات الغسل وعدم وجود أدوية وأملاح وسوائل.
إضافة إلى ذلك تتفاقم معاناة المرضى، وفق الهمص، بسبب عدم توفير البيئة الصحية لمريض الغسيل وكذلك الغذاء السليم، مبينا، أن لدى مريض الفشل الكلوي أدوية خاصة، وما يتم تناوله حاليا هو معلبات بها مواد حافظة وسموم توثر على كليتيه وتؤدي لزيادة المضاعفات يوميا، فضلا عن تعطل 5 أجهزة يوميا.
وأشار إلى أن المشفى قامت باستجلاب مهندس لإصلاح الأجهزة المتعطلة لماكنات الغسيل، بتخصيص غرفة مبيت دائمة له ولأسرته داخل المشفى لملاحقة العمل، مشددًا على ضرورة استحداث قسم جديد وإرسال الغذاء للمرضى أو إخراجهم من قطاع غزة وتوفير علاج لهم خارج القطاع فضلا عن تمكينهم من إجراء غسيل كلوي جيد.