هنا فلسطين حيث تتجسد ملامح الصراع الأبرز بين مشروعي الخير والشر والحق والباطل، بين المشروع الصهيوني رأس حربة المشروع الغربي الذي تزاحم لارتكاب حرب إبادة جماعية دفاعًا عن عصابات إجرام يهودية في مواجهة مشروع تحرير فلسطين ورأس حربته الشعب الفلسطيني بقيادة غزة.
هنا غزة نرسم خارطة الطريق لتحرير فلسطين كما لم تُرسم من قبل، وليست كما رسمها بوش في خارطة طريقه المضللة، وليست كالخارطة التي حلم بتنفيذها ترمب في صفقة القرن ومن بعده بايدن. خارطة طريق غزة تعتمد قاعدة " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ" [الحج: 39،40].
رسمتْ غزة الطوفان والمحرقة خارطة الطريق للتحرير حين أُخرج أهلها من فلسطينهم، فهتفوا بدمائهم وأشلائهم وبيوتهم المدمرة: "يا قدس إنك والله أحب أرض الله إلى قلوبنا ولولا أن عصابات الإجرام اليهودية أخرجونا منك ما خرجنا ولن نخرج أبدا بعد اليوم ولنا طريق واحد العودة من حيث أخرجنا"، فكانت غزة البوصلة وفلسطين وتحريرها البوصلة لخارطة طريقها.
واصلت غزة البناء والحفر في الصخر، وضعت الأساس الأول المسجد ومواكب الحفظة لكتاب الله تعالى الذين تزينت بهم غزة ورسم الخط الأول في خارطة طريق التحرير. فالمساجد تضع أساس العودة بالقرآن والإيمان والتمسك بالعقيدة ووحدة المرجعية "تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي"، " فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً" [طه: 123،124].
وعلى تراتيل آيات الله رسمت الخط الثاني في خارطة طريق التحرير، بالمؤاخاة بين اللاجئين والأنصار الذين انصهروا جميعًا في بوتقة مشروع التحرير. بناء الجسد الواحد والإخوة الكاملة " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" [الحجرات: 10] "، "مثل المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى عله سائر الجسد بالسهر والحمى".
وعلى قاعدة " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ "َ [آل عمران: 103] تحقق فضل الله تبارك وتعالى بالوحدة وبناء تجمعات القوى الوطنية والإسلامية والغرفة المشتركة، " وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً" [آل عمران: 103]" يتحقق النجاح بالتحرير ولم يكن أي مؤشر للفشل أو الهزيمة الذي مبدأه النزاع والشقاق، " وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ" [الأنفال: 46].
ومن ثم رسمت غزة الخط الثالث في خارطة طريق التحرير باستثمار الطاقة البشرية وتطوير قدراتها وبناء الإنسان " وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [الأنفال: 26]
والخط الرابع في خارطة الطريق بإعداد المقدرات المادية وعلى ذات قاعدة الإعداد "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ " [الأنفال: 60] بعد سنوات قلائل انطلقت غزة بطوفانها لتدشن طريقًا للتحرير يبسًا.
في خارطة الطريق التي رسمتها غزة ونفذتها خطوة خطوة لم يغفل عن قاعدة ذهبية في التحرير كجزء مكمل لخارطة الطريق. فحين أُخرج آدم عليه السلام من الجنة عاتبه ربه بأنه "فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً" [طه: 115] ". مما يحقق المعنى المراد في أن حلم التحرير بحاجة إلى الاحتفاظ بالذاكرة وعدم النسيان وبحاجة إلى امتلاك العزيمة والإرادة الصلبة القادرة على الوصول إلى حلم العودة بالصبر والمثابرة ومواصلة الطريق وفق خارطة طريق غزة للتحرير.
مع وقائع يوميات التاريخ المجيد في غزة الطوفان والمحرقة نتنسم عبق الحرية والكرامة والتضحية والتخطيط والإرادة واليقين والإعداد، ونتحقق من خارطة طريق جادة وموصلة إلى ساحات المسجد الأقصى المبارك فاتحين وإلى سواحل فلسطين الغالية محررين.