فلسطين أون لاين

المرابطون والمرجفون..(2)

أكتبُ هذه السطور وقد بدأ اليوم السابع والعشرون بعد المائة من معركة «طوفان الأقصى». ولا يزال القتال البطولي من جانب المرابطين الأبطال في المقاومة الفلسطينية مستمرًا في مقاومة العدوان الصهيوني: يقتلون ضبّاطهم وجنودهم، ويدمرون دباباتهم ومُصفحاتهم، ويُسقطون من الأجواء مُسيَّراتهم، بل ويطلقون على المدن المحتلة صواريخهم، فيُقتل من يُقتل، ويُصاب من يُصاب، ولا يُعلن العدو شيئًا عن ذلك كله، اللهم إلا إعلانه عن دَوِيِّ صافرات الإنذار، ودعوة الناس إلى النزول إلى المخابئ الحصينة؛ فزعًا من أن يصاب بعضهم أو يلقى حتفه.

وقد جدّ منذ السبت (29 رجب 1445 هـ = 10/2/2024م) أمر بالغ الخطورة، ينذر بعواقب وخيمة، لا على الطرفين المتقاتلين وحدهما، بل على المنطقة كلها، وفي القلب منها مصر.

أعني ما أعلنه رئيس وزراء العدو الصهيوني من أنه أصدر توجيهًا إلى جيش الاحتلال بإعداد خُطة لمهاجمة مدينة رفح، زاعمًا أن فيها أربع كتائب قسامية لابد من القضاء عليها قبل العودة إلى مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى الصهاينة في قطاع غزة، مع الأسرى الفلسطينيين المعتقلين لدى العدوّ.

ولم تمضِ عدة ساعات حتى أُعِلنَ أن الجيش قد أعد خُطة العدوان على رفح وصادق عليها، وأن هذا العدوان سوف يبدأ في غضون أسبوع أو أسبوعين على الأكثر.

الغدر طبيعة صهيونية

ورفح هي أقرب مدن القطاع إلى سيناء المصرية، وتبلغ مساحتها 151 كم2، ويقطنها نحو 300000 مواطن فلسطيني، بعضهم من سكانها الأصليين، وبعضهم ممن نزحوا إليها من أراضٍ فلسطينية أخرى عقب نكبة 1948، ثم عقب الهزيمة العربية النكراء في 1967.

وبعد عملية التهجير القسري الأخيرة، بعد بدء «طوفان الأقصى» يقدَّر المقيمون في رفح بنحو 1400000 إلى 1500000 فلسطيني، أغلبهم من سكان وسط وشمال غزة الذين أعلن العدو الصهيوني لهم أن جنوب القطاع (رفح) و(خان يونس) أماكن آمنة ليتركوا بيوتهم في الشمال ويبحثوا عن ملجأ في رفح أو خان يونس.

ولأن العدو الصهيوني لا عهد له، فقد شهد الأسبوعان الماضيان محاولات مستميتة من الجيش الصهيوني لاقتحام خان يونس، لكن المقاومة الفلسطينية الباسلة لا تزال تخوض ضد قوات العدوان حربًا ضروسًا تَحول بينه وبين تحقيق أهدافه العدوانية.

أما رفح فقد أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني أن تنفيذ خطة اقتحامها ستكون في مدى أسبوع إلى أسبوعين منذ يوم الجمعة 9/2/2024، ودعت الأبواق الصهيونية النازحين إلى رفح للعودة إلى شمال القطاع، الذي دمرته الطائرات والدبابات الصهيونية حتى لم يبقَ فيه مكان يصلح لأي نوع من سكنى البشر.

ولأن الغدر طبيعة راسخة في الصهاينة فقد فقد فوجئ العالم ببدء الأعمال العدوانية على مدينة رفح بقصفها بالطائرات منذ صباح يوم السبت 10/2/2024.

تسجيل موقف

لقد حذرت دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية (الأم الرؤوم للعدوّ الصهيوني) من القيام باقتحام رفح، وعُلل التحذير بأنه سيؤدي إلى كوارث إنسانية هائلة.

وروَّج المرجفون في العالم العربي أن هذه التحذيرات دليل على عدم التأييد (على بياض) للعدو الصهيوني، وأن لهذا التأييد حدودًا هي الدفاع عن النفس، وما فوق مقتضيات هذا الدفاع فإن العالم لا يقرّه.

والحق أن تلك التحذيرات ليست إلا «تسجيل موقف» لا تسمن ولا تغني من جوع. وتصرّف العدو الصهيوني منذ بدء عدوانه ردًا على «طوفان الأقصى» لم يُقِم أي وزن لأية نصيحة من أية جهة جاءته.

والولايات المتحدة تحذر من اقتحام رفح عسكريًا، في الوقت الذي يبحث فيه مجلسها التشريعي رفد الكيان الصهيوني بأربعة عشر مليار دولار، إعانة عاجلة لتمكينه من مواصلة الإبادة الجماعية، والهدم الوحشي للبشر والحجر على السواء.

ليست نزهة عسكرية

إن الحجة التي ساقها رئيس وزراء الكيان الصهيوني لاعتباره الهجوم على رفح "ضرورة" هي وجود أربع كتائب لحماس في مدينة رفح. وأحسب أن هذا التبرير الواهي لا ينطلي على عاقل.

وقد ذاق الجيش الصهيوني أكبر هزائمه على الإطلاق من جراء الخطط العسكرية الخائبة، والإخفاق في جمع المعلومات عن فصائل المقاومة الفلسطينية قبل بدء عملية "الطوفان".

فهل يظن العدو الصهيوني أن دخول رفح سيكون بمثابة نزهة عسكرية يقضي فيها على ما يزعم أنه موجود في رفح من قوى المقاومة؟

وهل يظن أن المقاومين في رفح -إن صح وجودهم كما يزعم- سيقفون مكتوفي الأيدي ويُسَلِّمُوا أنفسهم وعتادهم وسلاحهم للجيش الصهيوني المعتدي؟

وهل يظن أن أبطال المقاومة -بفصائلها كافة- سوف يُسلِمُون أهل رفح، والنازحين إليها، لقمة سائغة لجنود العدو؟

تفوُّق المقاومة

إن أي عاقل متابع للقضية لا يستطيع قبول هذه الظنون أو التعويل عليها. وقادة الجيش الصهيوني وجنوده قد رأوا رأي العين كيف تتفوق المقاومة الفلسطينية – وهي ما هي عددًا وعدة- على الآلاف المؤلفة من الصهاينة المحترفين والمجندين على السواء.

ورأوا رأي العين كيف واجه المقاومون الأبطال دباباتهم ومجنزراتهم وآلياتهم بل وطائراتهم المسيَّرة فنالوا من ذلك كل ما لم ينل جزءًا منه عدوُّهم وداعموه بالسلاح والعتاد والرجال.

إنني على شبه اليقين: أن الذي سيجده العدو الصهيوني في رفح لن يقل عما وجده في غزة وفي الضفة الغربية. وإن غدًا لناظره قريب، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{6}) [الروم :4-6].