قائمة الموقع

في ظل استمرار قطع الإنترنت.. كيف يتواصل الغزيون مع العالم؟

2024-02-03T19:22:00+02:00
صورة دمار غزة

تتضاعف معاناة أهالي غزة منذ بداية الحرب على القطاع، بسبب قطع الاحتلال شبكات الاتصال والإنترنت لفترات طويلة. ويتوجه الناس إلى مناطق عالية لالتقاط أي إشارة تمكنهم من التواصل مع ذويهم داخل القطاع وخارجه.

طوال فترات العدوان، تكرر الانقطاع الكامل للاتصالات والإنترنت في قطاع غزة لأكثر من 10 مرات، كان آخرها يناير الشهر الماضي، وذلك نتيجة تواصل العدوان والقصف الذي طال البنية التحتية لشبكات الاتصالات والإنترنت، إضافة لنفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الخاصة بمقسمات الاتصالات وأبراج الإشارة.

ودفع الانقطاع المستمر بعض السكان والناشطين من خارج قطاع غزة إلى محاولات كسر هذه العزلة ببدائل للاتصال من العالم، وأثبتت الشريحة الإلكترونية (eSIM) نجاحها بأن تكون الوسيلة الوحيدة للكثير من سكان قطاع غزة للتواصل مع أقاربهم في الخارج، أو نقل ما يجري من أحداث وجرائم للعالم.

وشكلت الشرائح منفسًا يساعد إلى حد ما على شعور الناس بعدم انقطاعهم عن التواصل، وأن هناك وسيلة طارئة تنقذهم، كما ساعدت عددًا من الكتّاب والمراسلين استئناف إرسال تقاريرهم لأماكن عملهم، وآخرين على إيصال مناشداتهم، وبعضهم استطاع توصيل الصور من عمق الأماكن المحاصرة كمدينة غزة وشمالها.

ففي المناطق الجنوبية للقطاع، وتحديدًا في رفح، اعتمد المقيمون قرب الحدود على الشبكات المصرية عبر تفعيل خدمات التجوال، لالتقاط الإشارة والتمكن من إجراء الاتصالات أو تصفح الإنترنت بالحد الأدنى الذي يتيح لهم إرسال الرسائل القصيرة على تطبيقات مثل "واتساب".

وكذلك تمكن المقيمون في المناطق الشرقية الحدودية من التقاط إرسال الشبكات الإسرائيلية التي تغطي أجزاء قليلة من المناطق الحدودية.

وفي شمال القطاع المحاصر، وبالنسبة للمواطن عبد الهادي عوكل، فإن هذه "الشريحة بمثابة كنز لكل من يمتلكها في مناطق شمال قطاع غزة"، المعزولة عن العالم جراء القطع التام للاتصالات والإنترنت عنها، بفعل الدمار الهائل الذي تسببت به آلة الحرب الإسرائيلية.

يقع منزل عوكل في منطقة منخفضة بمخيم جباليا، فيضطر للصعود يوميا فوق سطح منزل مدمر جزئيا، جراء غارة جوية إسرائيلية في منطقة "تل الزعتر" القريبة، ليتمكن من التقاط إشارة توصله بالإنترنت، للاطمئنان على أهله، وأحبته النازحين في جنوب القطاع، والمقيمين خارجه.

رفض الرجل النزوح عن منزله، وتمسك مع عدد من أفراد أسرته وعائلته بالبقاء في مخيم جباليا، فيما نزحت والدته وشقيقاته وآخرون إلى مدينة رفح في جنوب القطاع.

ويقول لموقع "الجزيرة نت": "بفضل هذه الشريحة أصبحت أنا الوسيط بين الشمال والجنوب، وكذلك مع أبناء العمومة والأصدقاء في الضفة الغربية وخارج البلاد، يتواصلون معي كي يطمئنوا على بعضهم بعضا عن طريقي، في ظل تردي خدمات الاتصالات والإنترنت عبر الشبكات الفلسطينية".

يمكث عوكل لنحو ساعتين فوق سطح ذلك المنزل المدمر، يتابع الأخبار والتطورات، ويتواصل مع الأهل والأصدقاء، ويصف هذه المهمة اليومية بالخطيرة، ولا يأمن على نفسه من طائرات الاحتلال التي تجوب أجواء القطاع على مدار الساعة، غير أنه يقول "المغامرة تستحق، من أجل البقاء على تواصل مع أهلي وأصدقائي ومتابعة عملي".

في وقت سابق على الحرب، اقتنى البعض شرائح اتصال مصرية جلبوها معهم خلال سفرهم خارج قطاع غزة، وامتلك بعض الصحفيين والمراسلين أيضا شرائح اتصال إسرائيلية.

وتمكّن هؤلاء وأولئك من التقاط الإرسال خلال وجودهم في المناطق الحدودية، واضطر آخرون إلى صعود الطوابق المرتفعة للعمارات والأبراج السكنية لتحسين جودة الإشارة على الهاتف، رغم خطورة ذلك واستهداف الاحتلال المتكرر للعديد منهم.

كان ضوءًا في نهاية نفق مظلم

إلى بداية الفكرة، تعود مبادرة “توصيل غزة” إلى الناشطة المصرية والكاتبة ميرنا الهلباوي، وهي مبادرة شعبية تستخدم شرائح eSIM -أو بطاقات SIM الافتراضية- لمساعدة الفلسطينيين على تجنُّب انقطاع الاتصالات، وسط الغارات الجوية الإسرائيلية في جميع أنحاء المنطقة.

في البداية، تقول الناشطة الهلباوي أنها انضمت إلى الآخرين على منصة إكس، ودعت إيلون ماسك إلى توصيل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية Starlink إلى غزة، وكانت متحمسة عندما قال ماسك إنه سيقوم ذلك.

لكن عندما تعثرت المحادثات بشأن تلك الخطط، قررت الهلباوي أن تجرّب أمرًا آخر، وبناء على اقتراح أحد متابعي وسائل التواصل الاجتماعي، قامت بشراء شريحة eSIM مع خدمة التجوال، وحاول صديق لها من غزة الاتصال بشبكة أجنبية، ونجح الأمر، “أدركنا أن هناك أملًا، حتى لو كان أملًا صغيرًا جدًّا، في أننا وجدنا حلًّا، لقد كان ضوءًا في نهاية نفق مظلم للغاية”، تقول الهلباوي.

وخلال 24 ساعة، نشرت على إكس وإنستغرام تطلب من المتابعين الذين يرغبون في المساعدة في استعادة الهاتف والإنترنت للفلسطينيين التبرع بشرائح eSIM، عن طريق شرائها عبر الإنترنت وإرسال رموز QR لها، وشعرت الهلباوي بالثقة في قدرتها على العثور على أشخاص في غزة لديهم خدمة لتوزيع شرائح eSIM في جميع أنحاء المنطقة.

وتقول الهلباوي، في حوار صحفي، إن الجهات المانحة أرسلت رموز الاستجابة السريعة من أماكن بعيدة، مثل الولايات المتحدة وسويسرا وباكستان وهولندا، ويقوم معظمهم بشرائها عبر تطبيقات الهاتف المحمول مثل Simly وAiralo، والتي تسمح للمانحين بمعرفة متى يتم تنشيط شرائح eSIM وتفعيلها.

وتؤمن الناشطة الهلباوي بأن الحق في الوصول إلى الهاتف والإنترنت هو حق أساسي من حقوق الإنسان، لا يقل أهمية عن الغذاء والماء، ومن دون القدرة على الاتصال لا يستطيع المدنيون الفلسطينيون المحاصرون وسط خط النار الاطمئنان على بعضهم أو طلب المساعدة، ولا يستطيع عمّال الطوارئ والعاملون الطبيون تنسيق استجاباتهم، وتقول إن “الصحفيين لا يستطيعون توثيق الفظائع على الأرض، بما في ذلك جرائم الحرب المحتملة”.

ووفقًا لمؤسسة المبادرة، تم التبرع بشرائح eSIM بقيمة 1.3 مليون دولار أمريكي لتوزيعها، وتقول إن المبادرة تربط أكثر من 1000 فلسطيني يوميًّا، ويمكن لكل شخص تحويل هاتفه إلى نقطة اتصال مع 5 أشخاص آخرين.

ودمر الاحتلال شبكات الاتصال والإنترنت بقطاع غزة، وأعلنت شبكة الهاتف في غزة، التي تديرها شركة بالتل المحلية، أكثر من عشر مرات عن توقف تام للخدمة منذ السابع من أكتوبر، كان آخرها في أواخر يناير، وهو ما أرجعته إلى الهجوم الإسرائيلي. وقالت إنه حتى عندما كانت شبكتها تعمل جزئيًا، فقد واجهت صعوبات في تشغيل الخدمة في العديد من المناطق بسبب تعمد الاحتلال استهداف الشبكات وطواقم الصيانة التابعة لشركات الاتصالات، على مدار العدوان المتواصل على غزة.

 

اخبار ذات صلة