فلسطين أون لاين

تقرير القيادي عزام الأقرع.. من مطارد في جبال "قبلان" إلى قيادة كتائب "القسام"

...
القيادي عزام الأقرع.. من مطارد في جبال "قبلان" إلى قيادة كتائب "القسام"

كثير من الفلسطينيين وخاصة من الجيل الجديد لم يكونوا قد سمعوا من قبل باسم "عزام حسني الأقرع" ابن بلدة "قبلان" الواقعة جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، لتأتي عملية الاغتيال التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء الماضي، في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية "بيروت" وطالت نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري وستة آخرون، كان من بينهم الأقرع، ليتبين لهم أنه أحد أبرز قادة الجناح العسكري لحركة حماس كتائب الشهيد عز الدين القسام، في الخارج.

ومع ورد اسمه بين الشهداء، بدأت المعلومات عن مقاومته وجهاده تظهر تباعا، ليكتشف الفلسطينيون أنهم أمام قامة قل نظيرها، امتد عملها الجهادي والمقاوم لنحو 35 عاما، قضاها في مقارعة العدو الإسرائيلي، منذ كان فتيا مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، مرورا لابعاده إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني، وكان حينها أحد أصغر المبعدين سنا، وصولا إلى قيادته للجناح العسكري لحركة حماس، كتائب الشهيد عز الدين القسام.

ولد الشهيد عزام حسني الأقرع في اليوم الأخير من العام 1969، أي أنه أتم الرابعة والخمسين من عمره قبل أيام قليلة فقط من اغتياله، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارس قريته الوادعة، قبل أن ينضم إلى العمل مع والده في الزراعة.

لم يكد يبلغ الأقرع من العمر 18 عاما، حتى انطلقت شرارة انتفاضة الحجارة، ويكون من أوائل المشاركين فيها، وهي الفرصة التي كان يتحينها كثيرا، نظرا لايمانه المطلق بأن المقاومة لا سواها، هي الطريق الوحيد للتخلص من نير الاحتلال.. كيف لا أيضا، وهو الذي تربى منذ صغره في المساجد وتتلمذ على أيدي علماء أجلاء زرعوا فيه حب الوطن والجهاد.

شارك الشهيد بكافة فعاليات الانتفاضة، ولم يكن يترك مواجهة مع قوات الاحتلال التي كانت تقتحم قريته إلا ويكون في مقدمة راشقي الحجارة والمتصدين لهم. ذاع صيته لا سيما مع انتمائه السريع لحركة حماس التي اعلن عن تأسيسها بعد خمسة أيام فقط من اندلاع الانتفاضة وتحديدا في 14-12-1987، وكان أحد قادتها المحليين في قريته والمناطق المجاورة، وراح مع عصبة من رفاقه يجولون بين البلدات والقرى القريبة وينشرون فكر الحركة المقاوم، ويحثون المخلصين للانضمام إليها.

استشعر الاحتلال خطر عزام، فلاحقه مرارا حتى تمكن من اعتقاله في أوائل عام 1989، وحوله للاعتقال الإداري الذي أمضى فيه تسعة أشهر في سجونه، لكن ذلك لعب دورا في تعزيز فكره المقاوم، حيث التقى في السجون بنخبة من قيادة الحركة وكوادرها، فما إن تنفس الحرية حتى عاد للعمل بعزيمة أكبر، وتأثير أضخم على من حوله، فلوحق وطورد من جديد، لتتحول جبال قبلان إلى مأوى له ولأمثاله من المجاهدين.

وكان التطور البارز في حياة الشهيد بداية عام 1992، عندما أعاد الاحتلال اعتقاله بعد فترة المطاردة تلك. ونظرا لتأثيره الكبير كان من ضمن المئات من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي الذين قرر الاحتلال إبعادهم إلى "مرج الزهور" في الجنوب اللبناني.

وكان للسجن فائدة، لكنها لا تقارن بما جناه من تجربة الابعاد على صعوبتها، حيث صقلت شخصيته وعرّفته على قيادة الحركة السياسيين والعسكريين من كل فلسطين. أولئك الذين لمسوا فيه اخلاصا قل نظيره وهمة عالية وتوجها ملحوظا للانخراط في المقاومة، فكان القرار بعدم العودة إلى فلسطين، تجنبا للملاحقة من جديد، وحتى يستطيع أن يؤدي رسالته على أكمل وجه.

وصل الشهيد الأقرع إلى سورية، وهناك التقى بأخيه الكبير عزمي الأقرع الذي كان قد انخرط في الثورة الفلسطينية في الخارج منذ عام 1973، واستشهد عام 1997، ومنها إلى مصر وتركيا ولبنان. كان همه الجهاد ونذر نفسه لفلسطين، حتى أنه كان يرفض الزواج، فعندما كانت تدعوه والدته -رحمها الله- لأن يرتبط ويتزوج ويؤسس عائلة، كان يرد عليها إنه لا يفكر بالزواج فهو يرى في نفسه "مشروع شهيد"، ولكن بعد استشهاد شقيقه عزمي ارتبط بأرملته ليربي أطفاله الأيتام، وينجب ولدين أيضاً هما عبد الله وعبد الرحمن.

صحيح أن اسم عزام الأقرع قل تداوله على ألسن الناس، لكن الاحتلال يدرك تماما خطورة ذلك الرجل، ولم يكن قد نسيه أبدا، وكان يحاول الوصول إليه بشتى الطرق دون جدوى، ولمحاولة تجاوز هذا الفشل كان يعمل على التضييق على عائلته، ويراقب كل اتصال يرد إليهم.

يقول شقيقه حسام لـ"قدس برس": "فعلا بقي اسم عزام يرعب المحتلين، لذلك لم يكن يهنئ لهم بال حال تحدثنا معه. أذكر قبل 18 عاماً تقريباً، وتحديداً في عام 2006، تحدثت معه لدقائق فقط، فجاءني اتصال من ضابط كبير في جهاز المخابرات الإسرائيلية وطلب مني الحضور على الفور لمركز التحقيق القريب من بلدتنا، ووجه لي تهديداً وتوعدني بالاعتقال في حال تواصلنا معه مجدداً، وعقابا لي أصدر قراراً عسكرياً بمنعي من السفر لسنوات طويلة".

لاحقاً ومع كل عملية للمقاومة الفلسطينية، كان جنود الاحتلال يقتحمون بيت العائلة وينكلون بهم، وفي حال قطع أحدهم حاجزا عسكريا ودقق الجنود في هويته، ويكتشفون صلة القرابة يعتدون عليه ولو كان كبيرا في السن، في رسالة لعزام أننا لم ننساك!.

خلال العامين الماضيين، اشتدت ملاحقة الاحتلال للشهيد عزام الأقرع، وتحديداً منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، حينما اتهمه الاحتلال بالمسؤولية عن خلية خططت للعمل على اختراق شبكة الاتصالات الإسرائيلية "سيلكوم".

حينها ادعى جهاز المخابرات الإسرائيلي "الشاباك" كشفه لـ"خلية سايبر" بقيادة مهندس برمجة إلكترونية من فلسطين المحتلة عام 1948، قال إنها نقلت معلومات أمنية خطيرة عن إحدى شبكات الاتصال، لحركة حماس، وكانت تعملت في تركيا بإشراف مباشر من الشهيدين الشيخ صالح العاروري والأقرع شخصياً".

وشملت لوائح الاتهام بنوداً سرية ولم تنشر نيابة الاحتلال إلا قليلاً منها، وقالت إنه "عقب النشاط المشترك لجهاز الأمن العام (الشاباك) والوحدة القُطرية الإسرائيلية لمكافحة الجرائم الخطيرة والدولية، قدمت وحدة السايبر في مكتب النيابة العامة للدولة لائحة اتهام إلى المحكمة المركزية ضد ثلاثة فلسطينيين من الداخل المحتل بتهم ارتكاب مخالفات أمنية خطيرة متعلقة بتسليم معلومات حساسة، على نطاق واسع، إلى منظمة حماس في تركيا وتعريض البنية التحتية الإلكترونية لشركة (سيلكوم) لخطر جسيم، خلال حملة عسكرية مستقبلية لدولة إسرائيل".

وبعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، داهم الاحتلال منزل عائلة الأقرع واعتقل شقيقه حسام وعدداً من أفراد العائلة، وسط تنكيل وإهانة كبيرة، وحذرهم من أي اتصال مع عزام.

وعن استشهاده، يقول حسام "علمنا بها من وسائل الاعلام، لأننا بالفعل منقطعون عنه تماما، وكانت هذه وصيته حتى لا يتسبب لنا بأي أذى. صحيح أننا متألمون جدا لفقدانه، لكنها نهاية مشرفة لرجل أمضى أكثر من 35 عاماً من عمره في الجهاد والمقاومة، ونحن نفخر به وبجهاده".

وختم بقوله "اليوم تلتقي روحه الطاهرة بروح أخينا الكبير عزمي، وبأرواح والدي ووالدتي وشهداء شعبنا الذين ما بخلوا يوما بدمائهم الزكية على فلسطين. لا شك أن هناك من سيكمل المشوار حتى تحرير بلادنا من دنس المحتلين".

المصدر / وكالات