"بأي حال عدت يا عيد؟"، تلخص هذه العبارة القصيرة غصة ومعاناة كبيرتين يعيشهما سكان قطاع غزة هذا العام، الذين يعانون ويلات الحرب والقصف الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من شهرين.
ومع حلول "عيد الميلاد" بحسب التقويم الغربي، تجددت الآلام وترسخت الأحزان لا سيما بين أبناء الطائفة المسيحية التي حل عليها العيد هذا العام، لتجد نفسها تصارع فقط من أجل البقاء على قيد الحياة، فمن لم يمت من القصف قد يموت جوعا وعطشا، على حد وصف شهود عيان.
وسط مدينة غزة بشمال القطاع، وبعد إقامة قداس "عيد الميلاد" في كنيسة "العائلة المقدسة" بمجمع دير اللاتين ليلة الأحد - الاثنين، التقت الأناضول اثنين من المواطنين المسيحيين الكاثوليك الذين شاركوا في الطقوس الدينية لهذا العيد، تحت القصف ووسط الدمار، بعد واحدة من أعنف ليالي الحرب التي تمر على القطاع.
وكانت الغارات الإسرائيلية التي رافقت بدء حلول "عيد الميلاد" وفق التقويم الغربي، أسفرت عن مقتل أكثر من 100 فلسطيني معظمهم نساء وأطفال، خلال أقل من 24 ساعة، دون التفريق بين مسلم ومسيحي، ولا مراعاة لقدسية ذلك اليوم لدى مسيحيي العالم.
ويعد مجمع "دير اللاتين" وسط مدينة غزة من الأماكن الدينية المقدسة القليلة سواء المسيحية أو الدينية، التي لم تنهر أمام ضراوة الهجمات الإسرائيلية والقصف المتواصل.
وأدى المسيحيون الكاثوليك في قطاع غزة، قداس منتصف الليل (الأحد/ الاثنين)، في كنيسة العائلة المقدسة بمجمع دير اللاتين، ضمن الطقوس الدينية المرافقة لعيد الميلاد، ودون أي احتفالات أو معالم رمزية لهذا العيد بينها "شجرة الميلاد".
ويحتفل المسيحيون الكاثوليك بالعيد ليلة 24 - 25 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام بحسب التقويم الغربي، فيما تحتفل الطوائف الشرقية في 7 يناير/ كانون الثاني سنويا.
بغصة كبيرة، أعرب داود ترزي من المسيحيين الكاثوليك للأناضول، عن خشيته أن "أفنى" وغيره من الفلسطينيين في قطاع غزة، دون أن يشعر بهم أحد.
وكشف الرجل الأربعيني بعد مشاركته في قداس "عيد الميلاد" بكنيسة العائلة المقدسة، عن أمنيته لعذا العيد قائلا: "هذه الحرب أوصلتنا لأن نبحث عن الطعام والمياه ولا نجد، يجب أن يتدخل الجميع لوقف هذه الكارثة وإلا فسنفنى هنا دون أن يشعر أحد بنا".
وأضاف: "رسالتنا للعالم المسيحي وغير المسيحي بأن يتدخل لوقف هذه الحرب المدمرة، التي أنهكتنا جميعا مسيحيين ومسلمين".
وأشار إلى أن "عيد الميلاد" كان يمثل سابقا يوم فرح وسعادة، مبينا "كان يوما مقدسا، لكنه هذا العام يأتي في ظروف صعبة وقاسية لم تمر علينا من قبل".
واعتبر ترزي أن غياب الاحتفالات هذا العام أمر طبيعي لهول الكارثة، موضحا "لدينا أطفال أيتام وأطفال شهداء وجرحى ونساء استشهد أزواجهن، وبيوت مدمرة، كيف نحتفل؟".
وأردف: "ليس لدينا أي من مظاهر الفرح فالحرب الإسرائيلية المتواصلة والدمار والشهداء والجرحى الذين خلفتهم، تبقي في قلوبنا حزنا عميقا يمنعنا أن نحتفل بالعيد".
لم تنكر جوليا عياد السيدة الستينية حقيقة أن أهل قطاع غزة يعانون "الاحتلال والحصار" منذ زمن، لكن ما يعيشه أهل القطاع منذ 7 أكتوبر الماضي، لم يسبق له مثيل.
وقالت للأناضول بعد مشاركتها في قداس "عيد الميلاد" ليل الأحد: "يأتي عيدنا هذا العام تحت حصار وحرب معا، تحتنا شهداء وفوقنا دمار، وفي قلبنا حزن كبير".
وأضافت والحزن يطغى على كلماتها: "تعذبنا كثيرا على مدار سنين طويلة بسبب الاحتلال والحصار، والآن هذه الحرب".
محاولات البحث عن بهجة العيد وسط أهوال الحرب كانت مهمة شديدة الصعوبة لأي مسيحي كاثوليكي في غزة، وتوضح عياد "نحن نموت في كل لحظة ولن تأبه إسرائيل بنا، سواء كان عيد أم لم يكن، قصفها متواصل وحربها متواصلة".
وأشارت إلى أنها ستقضي العيد هذا العام "تبحث عن الطعام والمياه والأمان".
ولفتت إلى أن هذه الأساسيات الحياتية "لم تعد موجودة في أي مكان بغزة، فالقصف الإسرائيلي أصاب حتى الأماكن المقدسة ومنها الكنائس".
وعن أمنيتها لهذا العيد، قالت عياد: "نتمنى من العالم كله أنه يقف معنا ويساعدنا لنتخلص من الحروب والأهوال التي نعيشها يوميا، نريد أن يحل السلام علينا وعلى كل الشعب الفلسطيني".
ويعيش في غزة نحو 1000 مسيحي من مجموع سكان القطاع البالغ قرابة مليوني نسمة، يتبع نحو 70 بالمئة منهم طائفة الروم الأرثوذكس، التي تمتلك كنيسة مركزية في مدينة القدس، فيما يتبع البقية طائفة اللاتين الكاثوليك.
وكانت الغارات الإسرائيلية المتواصلة ضد قطاع غزة، طالت العديد من دور العبادة المسيحية والإسلامية منذ بداية الحرب.
وخلال الأيام الأولى للحرب الشرسة ضد القطاع، استهدفت إسرائيل بالقصف الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية الأقدم في مدينة غزة والواقعة في حي الزيتون، وكنيسة "القديس برفيريوس" التي تعد ملاذا لكل من المسيحيين والمسلمين خلال حروب إسرائيل المتلاحقة ضد غزة.
وكانت الكنيسة تؤوي خلال تعرضها للقصف، مئات الأشخاص الذين سقط منهم نحو 18 شخصا قتيلا جراء الاستهداف الإسرائيلي.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أعلن المكتب الإعلامي للبطريركية اللاتينية، أن قناصا إسرائيليا اغتال سيدة وابنتها، وأصاب 7 آخرين في كنيسة "العائلة المقدسة" بمدينة غزة.
كما ذكر المكتب، أن آلية مدفعية إسرائيلية "استهدفت دير راهبات الأم تريزا بمدينة غزة، والذي يؤوي أكثر من 54 شخصا من ذوي الإعاقة؛ وهو داخل أسوار الكنيسة".
ويصعّد الجيش الإسرائيلي حربه على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، مخلفا حتى الاثنين، 20 ألفا و674 قتيلا و54 ألفا و536 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.