انجرف كثير من الكتاب والمهتمين بالشأن الفلسطيني إلى الأخذ بعين الاعتبار موقف (إسرائيل) من المصالحة الفلسطينية، وراح البعض يجتهد في التحليل عن أسباب الصمت الإسرائيلي، وعن مدى الرضا على خطوات المصالحة، حتى أن بعض الساسة والمفكرين والكتاب نصحوا أطراف الانقسام باتخاذ خطوات معينة تجنباً للرفض الإسرائيلي، وبعضهم اقترح آلية معينة للمصالحة تأذن بمرورها عبر غربال الاعتراض الإسرائيلي، وكأن المصالحة الفلسطينية حافلة محملة بالمتفجرات، وعليها أن تمر عبر الحواجز الإسرائيلية على طرقات الضفة الغربية، ووفق منطق أصحاب هذا الرأي فإن إسرائيل هي قدر الفلسطينيين المبرم، ولا مفر لهم من عقد قران عاشقين إلا بحضور المأذون الإسرائيلي، وبحضور الشهود في محكمة الصلح الأمريكية.
لأصحاب منطق السطوة الإسرائيلية على قرار المصالحة الفلسطينية أقول:
1ـ إن الفلسطيني الذي لا يجرؤ على تحقيق مصالحة داخلية فلسطينية وفق المصلحة العامة للشعب الفلسطيني هو أعجز عن التأثير في أي قرار إسرائيلي يضر بالقضية الفلسطينية.
2ـ إذا كان موقف إسرائيل يؤخذ بعين الاعتبار في الشأن الداخلي الفلسطيني، وهو شأن خاص جداً، أقرب إلى علاقة الرجل بزوجته، فمعنى ذلك أن القدرة على التأثير في الموقف الإسرائيلي من قضايا الصراع الحقيقية هي صفر، وهذا مؤشر مخيف جداً.
ضمن هذا السياق، فإن موقع تيك دبيكا العبري، وهو موقع أمني إسرائيلي، يروج لمثل هذه الأفكار، ويتحدث عن المصالحة الفلسطينية التي ترضى عنها إسرائيل، في محاولة للتأثير على طرفي الانقسام، فينشر ما يلي:
يوم الثلاثاء، ستفاجئ حركة حماس في لقاءات القاهرة الجميع ، وستطرح مقترحيْن تعتبرهما قيميْن، وعلى ما يبدو فإن مصر تعتبرهما كذلك؛ من أجل تمهيد الطريق أمام مواصلة المفاوضات:
1ـ حماس مستعدة لأن تتعهد أمام مصر ومحمود عباس بأنها لن تطالب بالتمثيل في حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المقبلة، وهذا يعني عدم وجود وزراء فلسطينيين من أعضاء حماس؛ الخطوة التي لا يمكن أن تعارضها إسرائيل.
2. حماس مستعدة لأن تقدم التزامات بأنه في حال جرت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في السلطة الفلسطينية فإنها لن تنافس محمود عباس كحركة، وكذلك لن تنافس فتح، حماس مستعدة لأن يُشكل حزب باسم جديد مثلًا "جبهة العدالة الفلسطينية"، وسيصوت لصالحه أنصار حماس، وهذا يعني فوز عباس في الانتخابات الرئاسية، وفوز حركة فتح في الانتخابات البرلمانية.
تعقيباً على المقترح الأول أقول: هذا هو المطلب الإسرائيلي، والذي يفقد حكومة الوحدة الوطنية من مضمونها، إذ لا حكومة وحدة وطنية إلا إذا شاركت فيها كل القوى السياسية الفلسطينية، ودون ذلك فإن المقصود هو حكومة توافق، وهذا يتنافى مع أسس المصالحة.
وتعقيباً على المقترح الثاني أقول: ما قيمة هذه الانتخابات التي سيفوز فيها عباس، وتفوز فيها حركة فتح بشكل مسبق، إنها تعيين بالتوافق، وليست انتخابات نزيهة، وهذا يتعارض مع أسس المصالحة.
الشاهد في فيما سبق هو: أن شعبنا الفلسطيني يتمنى النجاح للتنظيمين الكبيرين في تحقيق المصالحة وفق مصالح الشعب الفلسطيني، ودون الالتفات إلى ما ينفع (إسرائيل) أو يضرها، ودون الالتفات إلى ما يعجب (إسرائيل) أو لا يعجبها في هذا الشأن الفلسطيني الخاص، ودون الأخذ بعين الاعتبار ردة الفعل الإسرائيلية التي لن تكون لصالح الشعب الفلسطيني.