قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن إجماع فقهاء القانون الدولي وخبراء الأمم المتحدة على أن ما يحدث في قطاع غزة يمثل جريمة “إبادة جماعية” ينبغي أن يكون نقطة فاصلة من أجل محاسبة (إسرائيل).
وأبرز الأورومتوسطي الرأي القانوني الصادر عن 880 أستاذ قانون دولي حول العالم وحذروا فيه من ممارسة (إسرائيل) “جريمة إبادة جماعية” في قطاع غزة، علمًا أن هذا الرأي صدر في 15 تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد أسبوع من بدء الحرب وحصيلة ضحايا وتدمير أقل من 20% من الحصيلة الحالية.
وفي حينه، أكد الرأي القانوني على الأدلة الدامغة بشأن ارتكاب (إسرائيل) جرائم إبادة جماعية ضد المدنيين في قطاع غزة، بما في ذلك القصف العشوائي والهجمات غير المتناسبة بتدمير الأحياء السكنية، وفرض نهج التجويع والتعطيش وقطع الإمدادات الإنسانية بالكامل عن السكان المدنيين.
وقال الأورومتوسطي إن حصار (إسرائيل) المستمر على غزة منذ عام 2006 مثل مقدمة لجريمة الإبادة الجماعية بوتيرة بطيئة، مدعومًا على مدار السنوات الماضية بالتحريض على ارتكاب جرائم بشعة، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي.
وأضاف أن حرب (إسرائيل) منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 التي راح ضحيتها أكثر من 11 ألفًا بين شهيد ومفقود تحت الأنقاض حتى الآن لم يسبق لها مثيل من حيث النطاق والشدة من ناحية الهجمات الجوية والمدفعية العشوائية من القوات الإسرائيلية.
ونبه الأورومتوسطي إلى أن (إسرائيل) مسحت أسرا فلسطينية ودمرت وسوت أحياء سكنية بالكامل في هجوم تدميري صريح ووحشي، فضلًا عن ممارسة التهجير القسري لإخلاء 1.1 مليون فلسطيني في مدينة غزة وشمالها لمناطق سكنهم دون توفير ملجأ آمن لهم، واستهداف المئات منهم في طريقهم إلى أماكن النزوح.
وأشار إلى أن منع (إسرائيل) الإمدادات الأساسية عن أكثر من 2.3 مليون شخص في قطاع غزة بما يشمل الطعام والماء والكهرباء والأدوية والوقود تسبب بشكل مباشر في أزمة إنسانية حادة وتعريض السكان للمجاعة بشكل متعمد، بما يمثل جريمة ضد الإنسانية، ويرتقي إلى جريمة تطهير عرقي تحت غطاء الحرب.
ونبه إلى أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين منذ بدء الحرب على غزة مثل وصف السكان المدنيين بأنهم “حيوانات بشرية” وأن غزة “لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل” وأن “التركيز هو على التدمير وليس على الدقة”، عبرت عن نوايا مبيتة بارتكاب جرائم إبادة جماعية عبر القتل المتعمد وتقييد الظروف الأساسية للحياة.
وأشارت إلى أنه بالتزامن مع الهجمات المكثفة وإسقاط أكثر من 25 ألف طن على قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلو مترًا مربعًا، أدلى مسؤولون إسرائيليون بتصريحات تؤكد أن قتل المدنيين وتدمير منازلهم وأحيائهم هو عمل مقصود وبقرار مسبق وليس بسبب اتخاذهم “دروعًا بشرية” كما تزعم الرواية الرسمية.
من ذلك قول وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي “يوأف غالانت” مع بدء الحرب: “نحن نفرض حصارًا كاملًا على غزة ولن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء سيكون مغلقًا ونحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف على هذا الأساس”.
إلى جانب ذلك، صرح الرئيس الإسرائيلي “إسحاق هرتسوغ” بأن “هناك أمة بأكملها تتحمل المسؤولية ولا صحة للادعاءات الباطلة حول عدم معرفة المدنيين وعدم مشاركتهم بما جرى على الإطلاق ونحن في حالة حرب ضدهم”.
أما الممثل السابق لـ(إسرائيل) في الأمم المتحدة “دان غيلرمان”، فصرح بوضوح: “إنني محتار بشأن اهتمام العالم المستمر بالمدنيين الفلسطينيين وتعاطفه مع حيوانات غير آدمية متوحشة”.
بينما قال السفير الإسرائيلي السابق في إيطاليا “درور إيدار” إن (إسرائيل) “غير مهتمة، لديها هدف واحد وهو تدمير غزة”.
وقد أكد خبراء في الأمم المتحدة، من بينهم المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة “فرانشيسكا ألبانيز” في بيان مشترك صدر في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري أن الشعب الفلسطيني “معرض لخطر الإبادة الجماعية”، وأن “حلفاء إسرائيل يتحملون أيضًا المسؤولية ويجب عليهم التصرف حالًا لمنع نتائج مسار عملها الكارثي”.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن إسرائيل انتهكت بلا هوادة الاتفاقية الدولية لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية عبر الاستهداف الجماعي لسكان قطاع غزة لكونهم فلسطينيون بما في ذلك نهج القتل والإيذاء الجسدي والعقلي وتقويض أساسيات الظروف المعيشية للبقاء على قيد الحياة.
وتنص المادة الأولى من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية على أن: “الأطراف المتعاقدة تؤكد أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو في زمن الحرب، هي جريمة بموجب القانون الدولي يلتزمون بمنعها ومعاقبتها”.
فيما تنص المادة الثانية من الاتفاقية على أن “الإبادة الجماعية تعني أيًا من أفعال القتل الجماعي، والتسبب بالأذى الجسدي أو العقلي المرتكبة بنية تدمير جزئي أو كلي لمجموعة قومية أو عرقية أو عرقية أو دينية، وهي جريمة محظورة بموجب القانون الدولي.
وقد أكدت محكمة العدل الدولية أن منع الإبادة الجماعية هو قاعدة قانونية ملزمة لا يسمح بأي استثناء عنها، وأن الأفراد الذين يحاولون الإبادة الجماعية أو يحرضون عليها “يجب أن يعاقبوا، سواء كانوا حكامًا مسؤولين دستوريًا أو مسؤولين حكوميين أو أفرادًا خاصين”.
ولدى (إسرائيل) تاريخ طويل من ممارسة أشكال الإبادة ضد الشعب الفلسطيني مثل القتل والتهجير الجماعي في عام 1948 والاحتلال العسكري منذ أكثر من نصف قرن، وصولًا إلى فرض نظام التمييز العنصري الذي يحكم الفلسطينيين، والهجمات العسكرية المتكررة على قطاع غزة، وصولًا إلى الحرب الجارية بوتيرة عنف هي الأشد على الإطلاق في تاريخ الحروب الإسرائيلية.
وعليه، حث المرصد الأورومتوسطي دول العالم على اتخاذ خطوات فعالة وملموسة لمنع أعمال الإبادة التي تمارسها إسرائيل بحق سكان قطاع غزة، وفقًا لواجباتها القانونية في منع هذه الجريمة المروعة، والضغط على هذا الصعيد في كافة المحافل الدولية.
وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان جميع الهيئات الدولية ذات الصلة، بما في ذلك مكتب منع الإبادة الجماعية ومكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بالتدخل الفوري لإجراء التحقيقات اللازمة واستدعاء الإجراءات التحذيرية الضرورية لحماية المدنيين الفلسطينيين من الإبادة الجماعية.