فلسطين أون لاين

أطلقوا مبادرات عديدة ساهمت بالتخفيف من معاناة أهالي القطاع

تقرير التكافل الاجتماع بالحرب.. مواطنون يتقلدون دور البطولة خارج ساحة المعركة

...
مواطنون يتقلدون دور البطولة خارج ساحة المعركة 
غزة/ يحيى اليعقوبي:

حواسيب وهواتف وبطاريات طاقة بديلة وماكنات حلاقة افترشت أرضية مكتبة القرطاسية للشاب يوسف الأخرس؛ أحضرها مواطنون لشحنها خلال فترة تشغيل المولد الكهربائي على مدار أربع ساعات يوميًا، هكذا بدى المشهد داخل المكتبة التي تحولت لمكانٍ يعزز صمود الناس كما كانت تمدهم في الكتب والمعارف العلمية، في مظهر يعكس التكافل الاجتماعي بين المواطنين خلال فترة العدوان الإسرائيلي على القطاع.

يجلس الأخرس على مدخل مكتبته ويستقبل أجهزة المواطنين ويبقى يتابع شحن الهواتف، في مقابل ذلك لا يحصل على أي أجر مادي، مبتغيًا الأجر من المولى عز وجل، ومحاولاً دعم وتعزيز صمود المواطنين وفق إمكانياته وقدراته.

تكافل وصمود

وتعد شحن بطاريات الطاقة البديلة والحواسيب والهواتف من التحديات التي تواجه المواطنين في ظل قطع الاحتلال الكهرباء عن غزة، بالتالي تساهم مبادرة الأخرس ومثلها عشرات المبادرات المماثلة والمنتشرة في كافة أحياء ومحافظات القطاع في إدامة متابعة المواطنين للأحداث وتوفير إنارة للمنازل حتى لا تغرق غزة في ظلام دامس.

يقول الأخرس لصحيفة "فلسطين": إننا "نحول تقوية صمود أبناء شعبنا، ويظلَّوا صامدين في بيوتهم، خاصة أنه لا يوجد لديهم كهرباء في منازلهم بالتالي تنفد بطاريات الهواتف، وبهذا نساهم في متابعتهم المستمرة للأحداث والأخبار".

ورغم أن مبلغ تشغيل المولد في وقت العدوان تضاعف، إلا أن الأخرس لا يعتبر ذلك خسارة أمام مساعدة الناس "لا يهمني المبلغ الذي سأخسره، أهم شيء أنا أساهم من موقعي في دعم صمود الناس" قال بسعادة.

وبادر الكثير من مصففي الشعر (الحلاقين) بتنفيذ مبادرات حلاقة الشعر في مراكز الإيواء والحارات، بلا مقابل، وقامت شركات تعبئة مياه محلاة أيضًا بتوزيع المياه على بيوت الفقراء بدون مقابل، في ظل قطع المياه والتزمت محال الخضار وبيع المواد الغذائية، ليعكس الشعب الفلسطيني في القطاع تلاحمه مع بعضه البعض، لمواجهة المستغلين وتجار الحروب الذين يستغلون معاناة الناس في رفع الأسعار.

كانت علامات السعادة واضحة على وجه الطفل "مجاهد" عندما أنهى الحلاق عماد السطري تصفيف شعره، هو وثمانية أشخاص من أبناء حيهم قام بالحلاقة لهم بدون مقابل حتى نفدت بطاريته.

كان ينتظر السطري إعادة شحن ماكينة الحلاقة حتى يكمل حلق رؤوس بقية أبناء حيه ممن ينتظرونه، وفي بعض الأوقات يذهب إلى مراكز الإيواء المكتظة بالنازحين لحلاقة شعر بعض الأطفال والشباب.

بكلمات ممتلئة بالفخر قال: "أشعر بالارتياح النفسي عندما أساهم بخدمة أبناء بلدي في هذه الظروف الصعبة، خاصة أن هناك أشخاص يحتاجون لحلاقة الشعر إلا أن محال تصفيف الشعر المغلقة تحول دون ذلك".

فكرة صعبة

في نموذج آخر، ومنذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، استأجر الدكتور محمد العكر مولدا كهربائيا بسعة 5 كيلو، وكذلك اشترى وقودا يكفي تشغيله لعشرة أيام لمدة أربع ساعات يوميًا.

يوميا وأثناء وقت تشغيل المولد يتوافد المواطنون من أبناء حيه إلى باب منزله، ويضعون هواتفهم وبطاريات الطاقة البديلة.

يقول العكر لصحيفة "فلسطين" بينما كان يبحث عن وقود لملئ الخزان قرب احدى محطات الوقود: إن "فكرة استئجار مولد في هذه الظروف صعبة، وكذلك الحصول على وقود، ولكن الإنسان يتحمل ويجتهد في سبيل مساعدة أبناء شعبه في شحن بطاريتهم، بدلا من العيش في الظلام، ويكفي أن نرى هذه الابتسامة التي نرسمها على وجوههم في وجه الألم والظروف".

أما الخمسيني أبو ابراهيم الترتوري، فتحولت واجهته متجره لبيع المواد الغذائية (سوبر ماركت) لمكان مكتظ بالمواطنين الذي يأتون إليه لتبريد وحفظ لحومهم في ثلاجاته، فضلا عن تخصيص زاوية في محله المفتوح من اتجاهين لشحن الهواتف وبطاريات الطاقة البديلة.

بنفس الطريقة التي اتبعها الدكتور العكر استأجر الترتوري مولدا بسعة 20 كيلو، يقوم بتشغيله يوميا لبيع مشروبات غازية ومياه باردة تخفف عن النازحين والمواطنين حرارة الأجواء، وهذه باتت مفقودة في ظل انقطاع التيار الكهربائي عن غالبية محال بيع المواد الغذائية، ويقول: إننا "يجب أن نتكافل مع بعض ونقف بجانب النازحين ويجب أن نكون فخورين بهم".

أبواب مفتوحة للنازحين

السمة الأهم في مظاهر التكافل هي فتح الناس أبواب منازلهم للنازحين من المناطق الشرقية والشمالي للقطاع أو للأحياء التي تعرضت لعدوان مدمر داخل مدينة غزة، بعض الناس آوت عائلات لا تجمعهم بينهم صلة قرابة كالمواطن "محمد"، الذي استضاف عائلتين في منزله المكون من طابقين وآواهم في الطابق العلوي.

رفض "محمد" الذي طلب عدم الكشف عن اسمه كاملاً، استلام أي مبلغ نقدي من العائلتين النازحتين، وقال: "نحن أخوة وفي هذه الظروف تظهر معادن الناس، عندما علم أبي بما فعلت فقال إنه فخور بي، وبما صنعت، ورغم أن العديد من التجار أو رجال الأعمال النازحين عرضوا علي مبالغ مالية كبيرة لكي يستأجروا شقتي إلا أنني استضفت عائلتين نازحتين بدون مقابل".

أما السائق أبو محمد عيسى والذي نزح من شرق محافظة جباليا شمال القطاع، فيقوم يوميا بتشغيل سيارته أمام محل بيع هواتف خلوية ومد وصلة لتوليد طاقة كهربائية من بطارية سيارته لشحن هواتف المواطنين والنازحين.

يتكئ عيسى على سيارته وهو ينتظر شحن هواتف المواطنين مع قرب حلول ساعات المغرب وفي هذا الوقت ينفض المواطنون إلى منازلهم خوفا من استهدافهم من قبل الاحتلال الذي ينشط ويزداد رعبا وفتكا مع ساعات المساء.

لم يكن المنزل الذي نزح إليه عيسى بعيدا عن مكان شحن هواتف المواطنين، وهذا المنزل فتح أبواب منزله لاستيعاب عدد كبير من أفراد عائلة عيسى يقدرهم بنحو 100 مواطن، يقول: "عندما نزحنا ومما يثلج الصدر، هو أن الناس كانت تنادي علينا: "تفضلوا.. تفضلوا" وهذا ليس غريبا على الشعب الفلسطيني الذي يتكافل مع بعضهم والناس فتحت أبواب منازلها لنا".

المصدر / المصدر/ فلسطين أون لاين