فلسطين أون لاين

تقرير في مراكز الايواء.. "أونروا" تتخلى عن إغاثة النازحين في غزة

...
مدرسة تابعة للأونروا بداخلها نازحين جرّاء الحرب والعدوان على غزة
غزة/ يحيى اليعقوبي:

كان محمود الريفي يتجول داخل منطقة السلطان غربي محافظة رفح، بحثًا عن الخبز لإطعام أطفاله وباقي أفراد أسرته المتواجدين داخل مستودعات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" الواقع غرب محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر.

حتى يوم الأحد، استوعبت تلك المخازن المخصصة لاستقبال المواد الغذائية، نحو 4 آلاف إلى 6 آلاف نازح، غالبيتهم من سكان محافظات بيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع ومناطق "الكرامة" والسودانية والشيخ رضوان والنصر وحي الدرج والتفاح من مدينة غزة بعدما شهدت مناطقهم قصفًا متواصلاً من طائرات الاحتلال ارتكبت خلالها مجازر بشعة بقصف بيوتٍ على رؤوس ساكنيها وهم نائمون.

وفي وقت أعلنت فيه "أونروا" عن انسحابها من محافظتي غزة وشمال القطاع وتووجها نحو جنوب القطاع، متخلية بذلك عن أكثر من مليون انسان كانوا ينتظرون منها تقديم الخدمة، فإن الواقع الذي رصدته صحيفة "فلسطين" بزيارة مراكز الإيواء في جنوب القطاع، يظهر أن الوكالة نفضت يديها عن إغاثة النازحين بتقديم خدمات شحيحة من الطعام والمياه والأغطية.

روايات نازحين

فحسب روايات النازحين عن أول ثلاثة أيام لهم بتلك المراكز، فإنَّ الوكالة تقدم لهم نصف رغيف خبز لكل نازح على مدار 24 ساعة، مع علبة لحمة يتقاسمها عدة أفراد على مدار تلك الفترة، وتوزع في فترة المساء تحديدًا الساعة 10 مساءً، الأمر الذي أدى لحالة جوع لدى الأطفال الذين يبذل آباؤهم قصارى جهدهم لتوفير خبز وغذاء من خارج المراكز كل حسب مقدرتهم المادية الضعيفة فمعظمهم خرج ببعض النقود والزاد الذي نفد أو بدأ ينفد.

يقرب الريفي المشهد أكثر من الداخل المستودع قائلاً "الوضع سيء، كل اثنين يتقاسمان الفراش، الأغطية قليلة، في اليوم الأول لوجودنا في المستودعات. قبل ثلاثة أيام وزعت الوكالة نصف رغيف على كل شخص وعلبة لحمة لكل اثنين، أو نصف أو كيلو تمر يشترك به عشرة أفراد، وكما ترى خرجت للبحث عن خبز لأطفالي".

رجوع لغزة

لم يكن الخبز هو من أخرج "الريفي" في وقت مبكر، بل كان يبحث عن سيارة تعيده من رفح إلى منزله بحي التفاح بغزة، يعلل "أريد العيش حياة كريمة، وأمن وأمان أفضل من هنا".

بداخل بركسات كبيرة أقامت العائلات غرفا من أخشاب "المشاتيح" مفتوحة السقف، فصلت بين بعضها البعض جدران من الأخشاب لا تتجاوز منتصف قامة الإنسان، في مكان يفتقر إلى التهوية، وأخرى أقامت غرفا من النايلون داخل مستودعات أخرى تجاورهم أكياس الأرز والدقيق، وبعض العائلات لم تجد مكانا داخل البركسات فأقامت خياما من القماش أسفل الجدران الخارجية للمستودعات.

بداخل  أحد البركسات لم يستطع الشاب يحيى حمارنة (23 عاما) النوم على مدار 48 ساعة حتى يسمح لأخوته الصغار بالنوم لعدم وجود فراش كاف يغطي كامل عائلته المكونة من 80 فردًا داخل الغرف الخشبية الصغيرة يحيط بها جدران أخشاب لا تتجاوز منتصف القامة، فما وزع عليهم لا يتجاوز 20 فرشة.

يوسع نظره ليدور على كامل المكان قال لصحيفة "فلسطين" عن الحياة "الوضع صعب، لدينا شح في عدد الفراش والأغطية والمأكل والملبس، تخيل أنهم يوزعون علينا رغيفا فقط لشخصين وعلبة لحمة، وللأسف يتم توزيعها الساعة العاشرة مساء، ولدينا صغار لا نستطيع اطعامهم، فضلا عن وجود مكرهة صحية داخل دورات المياه"، مطالبا المؤسسات الدولية بالتدخل حتى لا يتفاقم الأمراض.

كانت سارة (12 عاما) تلهو مع الأطفال بلعبة "الحجلة" وهي تقفز بين مربعات رسمتها على الأرض، يحاول الأطفال الهروب من واقعهم المرير بين ما يستطيعون ممارسته من الألعاب وهي أيضا شحيحة ليهربوا من صور أشلاء الأطفال الذين قتلهم الاحتلال في المنازل المجاورة لبيوتهم.

في داخل المركز لا ينتهي طابور اصطفاف الناس على تعبئة جالونات المياه المحلاة من خزانات المياه، ولا ينتهي الطابور أيضا عند دورات المياه.

"نموت ولا نهجر"

للتو وصل الستيني "أبو أحمد" من سكان منطقة "بيت لاهيا" شمال القطاع وكان يحاول هو وأولاده إنشاء غرفةً من الأخشاب هو وأولاده، قائلاً عن مخططات الاحتلال لتهجير الشعب: "مجرد مناقشة أي مشروع لن يكون مقبولاً، ولو ذبحنا كلنا، نحن جئنا هنا لأجل الأطفال فقط لحمايتهم من القصف والموت، بعد خوف ورعب عاشوه، لكن لو وصل الأمر لتهجيرنا فإننا سنموت جميعا هنا".

أما الحاجة أم شادي أبو جراد من منطقة بيت لاهيا كذلك، فقد انتهت هي وأفراد عائلتها وأزواج بناتها من إنشاء  غرفة من الأخشاب والنايلون بجانب جدار خارجي لمستودعات الوكالة، مؤكدةً، أنَّ وجودها هنا مؤقتٌ إلى حين توقف القصف البربري الإسرائيلي وارتكاب المجازر ثم العودة لمنزلها، وأن أي مخطط آخر للتهجير أو التوطين لأي بلد عربي فلن يتم القبول به لو دفعوا أرواحهم ثمن لذلك.

وفق إفادة العديد من النازحين، فإن المستودعات خصصت لموظفي الوكالة النازحين وأقاربهم، أما مراكز الوكالة داخل مدارسها برفح فخصصت للمواطنين النازحين الآخرين.

ورغم صعوبة الوضع وقساوة المعاناة داخل مستودعات الوكالة، كان الوضع داخل المدارس أشد وطأة، والاكتظاظ أكثر، الشيء الوحيد الذي تشابهوا به هو رغيف الخبز الذي يقسم على شخصين طوال 24 ساعة.

لم تستطع "أم أنس" وهي نازحة قابلناها على مدخل أحد المدارس دموعها من الانزلاق وحمل وجعها وألمها وقهرها، فقالت: "الحياة هنا كلها مذلة، نموت بكرامتنا ولا هذا الذل".

تتواجد أم أحمد داخل فصل دراسي هي وشقيقاتها الخمس وأولادهن، إضافة لذلك جلبت لها إدارة الإيواء بالمدرسة عائلات أخرى لتنعدم الخصوصية ليستوعب المكان نحو 100 فرد.

عن سؤال "فلسطين" إن كان هناك "حالة جوع"، تقول بقهر "نعم هناك جوع، فأطفالنا يشعرون بالجوع ويريدون تناول الطعام، فماذا ستكفي نصف ربطة (24 رغيفا) لنحو 25 فردا طوال اليوم، فضلا عن شح المياه".

نوم على "بلاط"

في ذات المدرسة، لم يجد إيهاب العمري وعائلته المكونة من 80 – 90 فردًا فراش ليناموا عليه فنام معظمهم على الأرض (بلاط)، زاد وجع خواصرهم بعد وجع قلوبهم بترك منزلهم بمنطقة بيت لاهيا، غادروا تحت وطأة القصف المتواصل.

يمتلئ صوته بغضب يعتلي ملامحه كذلك وهو يفرد ذراعيه قائلا "لا يوجد أحد يبحث عنا، الناس هنا لا تجد الطعام، كما أننا لا نحمل نقودا كافية لنشتري الطعام من الخارج فمعظمنا خرج ببعض النقود التي تكفي لأجرة النقل، الناس تتجول داخل فصول المدرس تسأل إن كان هناك خبزا زائدا لإطعام أطفالها".

تدلت الملابس المبللة من الحمايات الحديدية على جانب ممرات المدرسة. يغسلها النازحون ليرتدوها مرة ثانية بعدما تجف ويعاودون غسلها، تنعدم أدنى الحقوق هنا وأدنى متطلبات الحياة فلا كهرباء ولا ماء إلا بشح، ولا طعام إلا بشح، يرون "الذل" أو يعيشونه، ورغم أن "أونروا" إن: خدماتها تركز على مراكزها بالجنوب، بينما لم نجد ذلك واقعًا، وإنما مزيدًا من نقص الرعاية، أو "التجويع" في أدق وصف.

إضافة للطعام يغيب الدواء لكبار السن، فموسى الريفي وهو نازح من حي الدرج بمدينة غزة جاء لمدينة رفح، لا يجد دواءً لوالدته المسنة البالغة من العمر 73 عامًا، وتحتاج إلى دواء لمرض ضغط الدم والسكري، وأصبح يشتهي هو وغالبية الناس هنا بعض الأطعمة مثل "الأرز "وقائمة طويلة من الممنوعات، كانت في منزله متوفرة، لخصها حياته هنا قائلا وهو ينظر لحالة التكدس داخل المدرسة: "ترى حالة الفوضى، فلا فراش ولا أغطية ولا مياه، ونخشى من حدوث مكرهة صحية".