في فناء مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، انتهى المطاف بعشرات الأسر بعدما تقطعت بهم السبل إثر تدمير منازلهم بفعل العدوان الإسرائيلي البربري المتواصل على القطاع لليوم السادس على التوالي.
أسفل درجٍ يوصل بين مختبر بنك الدم بالمشفى وساحة خلفية افترشت عدت عائلات جانبي الممر في مشهد اضطروا إليه نتيجة اكتظاظ مراكز الإيواء بعد نزوح أكثر من 300 ألف مواطن إليها، إحداها عائلة المواطن علي داود الذين نزحوا من الجنوب الغربي للمدينة المعروفة باسم منطقة تل "الهوى".
يطل داود على الحدث بينما يمسك هاتفه ويعرض مقطع مرئيا صوره للمنطقة المنكوبة في اليوم التالي يظهر دمارًا كبيرًا وكأنَّ زلزالاً ضربها، يقول "أسكن على الطابق الخامس بإحدى البنايات هناك، وجدت الصواريخ تنهال علينا بلا سابق إنذار، كأن السماء تمطر صواريخ أحدثت دمارًا شاملاً. دمرت عمارة جيراننا الذين علقوا تحت الردم".
الخيار الوحيد
تعتلي ملامحه علامة صدمة لا يصدق بأنه استطاع النجاة “نجوت بأعجوبة، فلو تأخرنا دقيقة في الخروج لكنا تحت الركام"، يجلس داود بلا فراش ولا يحمل غير الملابس التي هرب بها، لم يجد مكانا في مراكز الإيواء فكانت المشفى خياره الوحيد.
في ذات الممر، لم تجد أم البراء السكافي وأطفالها الأربعة حتى مكانًا يمكن أن تستند إليه لجدران الممر، فجلست على كرسي بلاستيكي في وسط الممر تحمل طفلها بين ذراعيها وتحيط بها طفلتاها، خرجوا بلا حقائب أو فراش، نجت بهم بأرواحهم وهذا أهم شيء وقت الحرب "فالمال والحجارة يمكن تعويضها مهما كانت غالية" بهذه القناعة الراسخة بدأت حديثها.
بدأ نزوح سكافي التي تسكن بمنطقة "الشعف" بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، مساء السبت الماضي بعدما انهالت عليهم قذائف المدفعية الإسرائيلية وصواريخ الطائرات الإسرائيلية، فانتقلت لمنطقة "تل الهوى" التي يسكن بها شقيق زوجها، لم تمضِ الليلة الثالثة على وجودها هناك حتى كانت على موعدٍ مع ليلة أشد من التي عاشتها بحي الشجاعية.
تتسع نظرات الذهول لسرد بقايا تفاصيل المشهد "أمضينا ليلة صعبة هناك جلسنا في بدرم العمارة السكنية (طابق أرضي) ونحن وكل السكان البرج ربما كان العددُ 90 شخصًا، وكان أصوات الحزام الناري حولنا مرعبا، وفي الليلة الثانية بدؤوا بقصفنا مباشرة، خرجنا ونحن نحمل أطفالنا، ونركض، رعب وصراخ وبكاء، وأناس عالقون تحت الردم هكذا كان المشهد هنا".
تشق بقايا الحدث ذاكرتها "رأينا الموت الأحمر بأعيننا، لم يكن الرعب عاديا وكأننا في أهوال يوم القيامة، ونجونا وجئنا إلى هنا بمستشفى الشفاء ولا أعرف كيف فوصلنا على قيد الحياة، رغم صعوبة الأوضاع هنا سنصبر على أي شيء المهم أننا نجونا وخرجنا من هناك سالمين، يكفي ما شاهده الأطفال من رعب".
ساحة تجمع سكان غزة
في ساحة المشفى الخلفية، تفترش الكثير من العائلات أسفل الجدران، بعضها استطاع جلب بعض الأغطية والفراش وبعضها لم يستطع، آخرون نصبوا أشبه بخيام من قماش تجمعوا أسفلها، ترى مشهد نزوح أمامك امتلأت فيه الساحة الخلفية للمشفى.
في زاوية تجلس عبير خاطر هي ونحو 35 فردًا من عائلاتها، شباب وأطفال وكبار سن على كراس متحركة، كلهم أصبحوا بلا مأوى بعدما تقطعت بهم السبل ولم يعرفوا إن كان الهدم طال منزلهم في منطقة "الشعف" شرق مدينة غزة أم لا.
هذه العائلة التي بالكاد كانت تجد قوت يومها بالأيام العادية، وجدت نفسها الآن بلا مأوى ولا طعام إلا بالقليل من الزاد الذي يأتي من فاعلي الخير، يتحرك الحدث الدامي أمامها "فجأة انهال القصف بشكل مختلف عن أي حرب سابقة، فخرجنا من المنطقة وهناك من أصيب منا أثناء الركض، وجئنا إلى المشفى بسبب اكتظاظ مراكز الإيواء".
تنظر حولها للمكان الذي يلتحفون فيه السماء ترثي وضعها "نحن هنا بدون ملابس ولا حتى أية أموال لكي نشتري الطعام كما ترى الحال صعبًا لدينا بنات وكبار سن وأطفال بعدد كبير أين نذهب؟، إلا أننا سنصبر على هذه المحنة فالنجاة هي الأهم وهذا سبب وجودنا بالمشفى التي ربما أصبحت أكثر الأماكن أمنا بعد استهداف الاحتلال لكل الأحياء السكنية في المدينة".
أما محمد النبيه فلم يأتِ من الشرق كحال عائلتي السكافي وخاطر ولا من جنوب غرب المدينة كحال عائلة داود، بل جاء من شمالي غرب تحديدًا من أبراج الكرامة التي عاشت ليلة دامية وباتت ساحة المشفى تجمع المواطنين من كافة الاتجاهات والأماكن، اختلفت قصص كل واحد منهم في كيفية النجاة، لكن تشابهت المعاناة ونفس أسلوب القصف الإسرائيلي عليهم.
على أحد أرصفة المشفى يجلس النبيه مع طفليه، يعيد رسم الحدث الدامي …