ما من شيء في حي الرمال الذي يعد أحد أرقى أحياء مدينة غزة، إلا وحل به دمار وخراب كبير بعد سلسلة أحزمة نارية نفذها الطيران الحربي التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأسقط فيها أطنان من المتفجرات.
لقد فتكت القنابل بكل شيء في الحي المكتظ سكانيًا والذي كان يشهد منذ أعوام طويلة حركة تجارية نشطة قبل بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.
وبدأ الطيران الحربي غاراته على الحي بعد تهديد للناطق باسم جيش الاحتلال انتشر سريعًا على المجموعات الإخبارية عبر تطبيق "واتس آب"، مساء أول من أمس.
وتضمن تهديد جيش الاحتلال مغادرة الحي والتوجه إلى المناطق الجنوبية من المدينة، وقد أدخل ذلك المواطنين في حالة خوف ورعب أجبرتهم على الخروج إلى الشوارع بالآلاف والنزوح عن الحي إلى أماكن أخرى اعتقدوا أنها آمنة.
لكن كما يقول عزام حافظ، فإن غزة لم يعد فيها شبرًا واحدًا آمنًا بسبب الغارات والضربات الجوية المتتالية.
وبدا حافظ وهو يتحدث مع "فلسطين" مذهولاً من استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي مقاتلات حربية حديثة الطراز أسقطت حممها من كل حدبٍ وصوب على أحياء آمنة يقطنها مدنيون، وألحق دمارًا مهولاً في الرمال.
وكانت تقارير إخبارية أفادت باستخدام جيش الاحتلال أسراب كاملة من الطائرات يضم كل سرب منها 40 مقاتلة حربية على الأقل شاركت جميعها في شن أحزمة نارية نفذتها طائرات "اف 16" و"اف 35" أحدث المقاتلات الحربية الأمريكية بالإضافة إلى أسراب أخرى من الطائرات الحربية بدون طيار.
وأضاف حافظ: أنه لم يتخيل يومًا أن يتعرض حي الرمال لهذا القصف الذي امتد ساعات طويلة مساء الاثنين وحتى الساعات الأولى من فجر أمس.
وبحسب قوله، فإن تهديد جيش الاحتلال لسكان الرمال تضمن تضليلاً لهم بالتوجه إلى جنوب مدينة غزة، لكن هذه المنطقة أيضًا تعرضت لحزام ناري فتاك تسبب بخراب كبير في منطقة تل الهوا واستشهاد عدد من النازحين أثناء بحثهم عن ملاذٍ آمن.
وهذا ما كان يخشاه الشاب محمد العجل الذي قرر اللجوء إلى منطقة غرب مدينة غزة بدلاً من جنوبها.
وأضاف لـ"فلسطين": أن الاحتلال لا يؤمن مكره، وهو دائمًا ما يمارس التضليل ولا يهتم لشؤون المدنيين والنساء والأطفال.
وصباح أمس، فجع محمد بحجم الدمار الذي أصاب منطقة سكنه وتعرف بمربع أبو الكاس، والذي أبيد عن بكرة أبيه، حسب وصفه.
"كل شي هناك يشي بالدمار، لم أجد سوى الركام الخراب الرماد" أضاف محمد الذي فقد المأوى الوحيد لعائلته.
وتابع: أن الدمار الذي أحدثته طائرات الاحتلال جريمة كبرى بحق المدنيين لا يمكن نسيانها.
ووثقت عدسات الصحفيين مشاهد مرعبة لقصف الاحتلال حي الرمال وقد تصاعدت نتيجته أعمدة الدخان وتطاير الركام والشظايا مسافات بعيدة، وهو ما جعله وأفراد عائلته في حالة صدمة ما زالوا يعيشون تحت وطأتها.
وإضافة إلى أن حي الرمال كونه أرقى أحياء مدينة غزة، فهو يحظى بأهمية تجارية كبيرة ويعد مكانًا مفضلاً لأصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات والشركات لتأسيس وافتتاح المشاريع الخاصة بهم باختلاف تخصصاتها ومجالاتها المهنية والتجارية.
وتسبب تدمير حي الرمال ومنطقة الصناعة والجامعات كذلك إلى نزوح آلاف المواطنين إلى أحياء أخرى ومراكز إيواء من بينها مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تأوي حاليًا أكثر من 130 ألف نازحٍ من مناطق متفرقة في القطاع الساحلي.
وحسبما أفاد المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض، فإن حي الرمال من أعرق وأقدم الأحياء في مدينة غزة، بدأ إعماره في عهد فهمي بيك الحسيني الذي تولى رئاسة بلدية غزة في عشرينيات القرن الماضي.
وأوضح المبيض لـ"فلسطين"، أن حي الرمال كان عبارة عن ساحة رملية سعى الحسيني لإعماره من خلال تقسيمه إلى أراضٍ منفصلة تمتد من سوق فراس وسط المدينة وحتى البحر غربًا، تبلغ مساحة الواحدة منها دونمًا (ألف متر مربع).
وبين أن الحسيني عرض قطع الأراضي للبيع بقيمة 3 جنيهات مصرية في حينه محاولاً إغراء فئات مختلفة من المجتمع الغزِّي، ولاقت الفكرة استحسان قطاع الموظفين، فاشتروا قطع أراضي متعددة.
وكان الحسيني ويعرف بأنه شخصية وطنية وقانونية مميزة درس القانون في إسطنبول، قد تولى رئاسة البلدية بتاريخ 5 مايو/ أيار 1928، كأول من يشغل هذا المنصب بالانتخابات، ومعه 11 عضوًا في المجلس البلدي، بحسب موقع بلدية غزة.
وبحسب المبيض، فإن حالة من العزوف عن شراء أراض في الرمال، كانت لدى مواطنين يملكون أراضٍ زراعية واسعة في مناطق متفرقة في المدينة منها أحياء الزيتون الشجاعية والدرج شرق غزة، وأحياء غيرها أيضًا، على اعتبار أن الرمال كان منطقة خالية قبل عشرات السنين.
وأضاف المبيض: أن الحسيني كان يهدف إلى إعمار حي الرمال في وقت أثيرت فيه مخاوف من إمكانية إقدام الاستعمار البريطاني على إقامة مستوطنات في نفس المكان.
حتى أن الحسيني -وفق المؤرخ المبيض- لجأ إلى قسم الأراضي إلى نصف دونم بثمن يقل عن 3 جنيهات وبالأقساط، للمساهمة أكثر في بيع مساحات أكبر منها، ونجحت فكرته في حينه وامتلكت فئة واسعة من الموظفين الفلسطينيين بغزة قطع أراضي.
ومنذ ذلك الحين شهد حي الرمال حركة إعمار كبيرة وأصبح واحدًا من أرقى الأحياء السكنية والتجارية إلى أن جاءت طائرات الاحتلال وساوت أبراجه وبناياته السكنية بالأرض بعد أن ألقت حممها الملتهبة في انتهاك آثم جعل أهله في حالة تشرد إلى حين إعمار الحي من جديد.