كتبت هذا المقال قبل الإعلان عن بدء تحرير بعض أرض فلسطين، ولشدة التقارب بين ما يجري على الأرض من معارك، وما يسبقها من إعداد فلسطيني، وتآمر من قبل العملاء، وجدت من الواجب نشر المقال كما كتبته قبل الفجر، وفيه أقول:
قد لا تصح المقارنة بين ما جرى على أرض غزة، وما جرى على أرض الضفة الغربية، خلال انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي، فنحن شعب واحد، يعيش على أرض واحدة، يبطش المحتلون بأهلها على مدار الساعة، والأصل في العلاقة بين غزة والضفة الغربية، وحدة المعاناة، ووحدة المواجهة مع العدو، لذلك؛ فإن أي قوة مسلحة في غزة هي قوة للضفة الغربية، وخادمة لمشروع طرد المحتلين، وأي انتكاسة للمقاومة في الضفة الغربية، هي طعنة في خاصرة غزة، وتحطيم لكبريائها المقاوم، الذي يفتخر به أكثر من 14 مليون فلسطيني، ويتابعه باهتمام واحترام مئات ملايين العرب والمسلمين.
ما حدث خلال انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين استوقف المواطن المهتم بالسياسة، والمواطن المنشغل بقوت يومه، فالمفارقة كبيرة بين غزة التي احتضنت أجهزتها الأمنية حركة الجهاد الإسلامي، وقدم رجل الأمن في غزة التحية لمقاتلي السرايا، وانتشرت الشرطة الفلسطينية على مفارق الطرق لتؤمن المسيرة العسكرية التي نظمها شباب الجهاد الإسلامي، إذ تبادل الطرفان معاني الوفاء للوطن فلسطين، وبين الضفة الغربية التي اقتحمت أجهزتها الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية المهرجان الذي أعده شباب طولكرم، فرحاً بقدرتهم على نصب الكمائن للعدو، الذي اندحر من مخيمها مهزوماً قبل يومين، وابتهاجاً بذكرى انطلاقة حركة جهادية مقاومة للاحتلال.
ولم تكتفِ الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بفض المهرجان، بل أطلقت النيران، وأصابت الحافلة التي تقل أمهات شهداء جنين، بل تمادت السلطة في عدوانها على الشعب الفلسطيني، حين هاجمت كتيبة جنين في مخيمها، وراحت تغلق الطرقات، وتنشر مئات الجنود المدججين بالسلاح على مفارق الطرق في نابلس، وشمال الضفة الغربية.
لن نتساءل هنا: أين كان هؤلاء المقاتلون التابعون للسلطة وقت الاقتحام الإسرائيلي لنابلس وجنين وطولكرم؟ ولكننا نقارن هنا بين المواقف من انطلاقة حركة الجهاد، والتي تشير إلى أن هناك فلسطيني مقاوم، ويرعى المقاومة، ويتحدى العدو الإسرائيلي، وهناك فلسطيني مساوم، يحارب المقاومة، وبدل أن يتحدى العدو الإسرائيلي، يتحدى أبناء الشعب الفلسطيني، الذين يتحدون بإرادتهم العدو الإسرائيلي، ويتصدون له بسلاحهم.
الفلسطيني الذي يرعى المقاومة يدرك أن السلاح هو طريق تحرير فلسطين، والذي يحارب المقاومة يدرك أن نزع السلاح هو طريق طمأنة المستوطنين لمواصلة اغتصاب فلسطين، وهذه المقارنة المفجعة تفرض علينا جميعاً البحث عن جواب للسؤال الكبير:
إلى متى؟ إلى متى يظل الشعب الفلسطيني صامتاً على جرائم التعاون الأمني مع المحتلين؟ إلى متى الصبر على المتعاونين مع وحدة اليمام الإسرائيلية، الذين خانوا عهد الثورة، ودنسوا ذاكرة الشهداء، وخذلوا الأسرى؟ إلى متى يظل الشعب الفلسطيني حريصاً على الوحدة الوطنية، في الوقت الذي يحرص فيه عملاء المخابرات الإسرائيلية على قتل كل إبداع ثوري مقاوم؟
لقد علمنا التاريخ أن الطعنات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني من الخلف كانت أوجع وأقسى من القذائف التي تعرض لها من العدو الإسرائيلي، وعلمنا التاريخ أن من وضع يده في يد العدو لن يتراجع إلا إذا كسر الثوار ذراعه الأمني من الجذر، وعلقوها على صدره، ليكون عبرة لغيره، وحتى يدرك القاصي والداني، أن المقاومة لا تنسي، ولا تغفر، ولن تتسامح مع أولئك الذين خانوا الشعب، وخذلوا تضحياته.
هذه ليست دعوة للحرب الأهلية، كما قد يزعم البعض، هذه دعوة للقصاص، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.