في يوم المعلم يحاول الناس تقديره وإشعاره بوزنه الكبير واحترامه الاحترام الذي يليق به، المعلم الفلسطيني يمتاز عن غيره بأنه يحمل في وجدانه قضية عظيمة ويثقل كاهله هم كبير، وإن أكبر همّه أن تجد من يحاول شطب القضيّة من قلبه، وإعفاءه من همّ خدمة القضية في مسيرته التعليميّة، لقد أوقعوا المعلم في تناقض بين مقتضيات واجبه اتجاه واقعه المرّ وبين دوره الذي يُطلب منه ويُجبر فيه ألا ينحاز إلى قضيّته، وأن يبقى على الحياد حتى يضمن الاستمرار في وظيفته والوصول إلى راتبه آخر الشهر، هذا الراتب المسحوق الذي زهّد المعلمين في هذه الوظيفة وأبقى من بقي منهم في سلك التعليم تحت سقف منخفض يقتل روح هذا العمل التربويّ ويجعل مستواه منخفضًا ومتناسبًا تناسبًا طرديًّا مع ارتفاع السقف الذي وُضع فيه المعلّم.
المعلّم الفلسطيني مختلف لأنه يحمل قضية عظيمة في صدره ولا يمكن الانفصال منها أو التخلّي عنها بأيّ حال من الأحوال، حتى لو وضعوا له منهجًا بعيدًا كما يحدث في مدارس القدس، يقف المعلّم الفلسطيني (وهذا من أبجديات هويته الثقافيّة) سدًّا منيعًا لهذه السياسة التربوية الاحتلالية، يجد المعلم نفسه وهو في طريقه إلى مدرسته أمام احتلال ينتهك كلّ مقومات كرامته، يمرّ على حواجز الإهانة وتمريغ الكرامة، يسمع في نشرة الصباح أخبار الشهداء والمعتقلين واقتحامات المستوطنين وعربدتهم، وهدم البيوت وكلّ جرائم الاحتلال المكتنزة في عقله اللاواعي والمتجدّدة في حاضر يومه، أنّى له أن يبدأ حصّته باللامبالاة والانفصال عن واقع شعبه الذي أفسده الاحتلال على أشدّ ما يكون الفساد.
اقرأ أيضًأ: نعم معلم .. ولا لراسب مكررًا
اقرأ أيضًا: المعلم الفلسطيني المبدع
المعلّم الفلسطيني مختلف ومشتبك لأنه نبض الحياة الفلسطينية المشتبكة بكلّ تفاصيلها مع احتلال لا يرحم ويعمل بطرق جهنمية ومنهجيّة ودائمة وشاملة لإفساد الحياة الفلسطينية بالاعتداء على كلّ مكوّناتها: السياسية والاقتصادية والزراعية والمياه والطرق والمعابر والسّفر والعبادة والمقدّسات والبيئة والأرض والجوّ والبحر وكلّ تفاصيل حياتنا ينشر فيها الاحتلال خبثه ومكره وخرابه ويدسّ أنفه العفن في كلّ صغيرة وكبيرة ليحيلها إلى مأساة ولتصبح مصدرًا للألم والمعاناة بدل أن تكون من مصادر القوّة والتمكين كما هو حال بقية البشر. والمعلّم الفلسطيني يعيش في هذه الأجواء المنتهكة حتى النخاع من الاحتلال فأنّى له أن لا يختلف عن كل معلمي العالم وأنّى له أن لا يشتبك مع هذا المحتل ولو في الثقافة والمعرفة.
المعلم الفلسطيني كشجرة الزيتون المتجذّرة العريقة المعمّرة، مُستهدفة ويُراد لها ألا تعطي ما اعتادت عليه من الزيت الذي يكاد زيته يضيء ولو لم تمسسه نار، يُراد لها أن تنفصل عن واقعها وألا تعطي ثمرها وأن تدور في فلك من فرض سيطرته عليها بقوّة السلاح وبطش الباطل، فتعطي له ثمرها وتبتعد كثيرًا عن تاريخها وواقع حالها، ويأبى المعلم الفلسطيني إلا أن يكون مختلفًا بل ونقيضًا لهذا المحتل بكلّ جوانب الاشتباك الممكنة، ينير الثقافة الفلسطينيّة بما يعزّز هويّتها ويُرسي قواعدها، فيبقي نورها لشعبه ونارها مسلّطة على محتل بلده.