لم يكلّ ضابط المخابرات الإسرائيلية ولم يملّ، وهو يضيّق على الشباب الفلسطيني حياتهم، ويمنع سفرهم، ويعيق دراستهم في الخارج، قبل أن يقايضهم على الهجرة مقابل السماح لهم بالسفر، بل كان يفرض على الطالب أن يوقع على تعهد، بعدم العودة إلى الأراضي المحتلة لمدة خمس سنوات، مقابل السماح له بالسفر.
وفي المعتقلات الإسرائيلية، وبعد انتهاء التحقيق مع المناضلين، وبعد اعترافهم بالتهم المنسوبة إليهم، كان يطرح ضابط المخابرات الإسرائيلية على المعتقلين الفلسطينيين ـ وأنا منهم ـ فكرة الهجرة من البلاد، مقابل، إسقاط التهم عنهم، إنها مقايضة رخيصة، رحيل الإنسان عن وطنه إلى الأبد، بديلاً عن عشر سنوات سجن أو أكثر، وكان رد المعتقلين الفلسطينيين في معظم الأحوال، لا، لا نريد الهجرة، نحتمل عذاب السجن، ولا نحتمل عذاب الهجرة، وندم أشد الندم من استجاب لإغراءات العدو الإسرائيلي بالهجرة.
وهنا تجدر الملاحظة، أن تقديم عروض الهجرة قد تم قصرها في فترة ما على المناضلين، وعلى كل من مارس مقاومة المحتلين، ولم يعرض الصهاينة فكرة الهجرة على آلاف العمال في المصانع والورش الإسرائيلية.
وقبل ذلك بسنوات طويلة، مع بداية احتلال الضفة الغربية وغزة، جمع الأعداء آلاف الشباب من سنة 18 وحتى 30، ووضعوهم مكبلين في حافلات، وألقوا بهم خلف قناة السويس، داخل مصر العربية، في عملية تفريغ للأرض المحتلة من الشباب.
وبعد ذلك، قدم الحاكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة التسهيلات لمن يريد السفر إلى الأردن، لقد فتح الحاكم العسكري المعابر، وأعطى مبالغ مالية، لكل من يغادر فلسطين، ويذهب إلى عمان، شرط عدم العودة.
اقرأ أيضًا: الهجرة ومحاولة حرف البوصلة
اقرأ أيضًا: هكذا نفهم الهجرة
ولن ننسى، ونحن نخوض في موضوع الهجرة أن ملايين الفلسطينيين قد تم تهجيرهم من أرضهم سنة 1948، وما زالوا لاجئين حتى يومنا هذا.
كل ما سبق يقودنا إلى الحديث عن فكرة الحسم التي يتبناها سموتيرتش، وتصفية القضية الفلسطينية، من خلال اعتقال وتصفية وطرد ملايين الفلسطينيين، هذه الفكرة التي ينادي بها المتطرفون الصهاينة، طبقها على الفلسطينيين عشاق السلام الكاذب، قادة حزب العمل، وغيرهم من الأحزاب الإسرائيلية العلمانية، لقد طبقوا الهجرة عمليًا، وبذكاء، ودون ضجيج إعلامي.
اليوم، يعمل الإسرائيليون على تسهيل هجرة الفلسطينيين إلى أوروبا سراً وعلانية، وذلك عبر أمرين:
الأول: تضييق سبل العيش على الفلسطينيين، بما في ذلك اقتحام المدن في الضفة الغربية، واعتقال آلاف الشباب، وإطلاق النار عليهم، وحصارهم، ووضع الحواجز على طرقات الضفة الغربية، وإطلاق الوحش الاستيطاني، ومحاصرة قطاع غزة.
ثانياً: تسهيل طريق الهجرة، وفتح الممرات الآمنة للمهاجرين الفلسطينيين، وإعطاء الإقامة في بلجيكا وغيرها، لكل فلسطيني يحمل بطاقة تموين لاجئ، وهذه عملية تهجير منسقة جيداً مع عدة دول أوروبية، وهي منظمة ومدروسة وهادفة.
الشباب الفلسطيني يركب المصاعب مكرهاً، ويختار الغربة مجبراً، وقد اصطدم بصخرة الواقع، فلا فرصة عمل، ولا وظيفة، ولا مصدر دخل، ولا مستقبل آمن، ولا زواج ولا حياة كريمة تشجع على البقاء.
هجرة شباب فلسطين تصب في صالح هجرة اليهود إلى فلسطين، وتفريغ الأراضي المحتلة من الشباب مطلب إسرائيلي في المقام الأول، وهروب إسرائيلي من مشكلة الديموغرافيا التي ترعب مستقبلهم، وتخلص من الزيادة السكانية للعرب، وحتمية تفجرها في وجه المحتلين.
هجرة الشباب الفلسطيني مسؤولية كل التنظيمات والفصائل، وواجبها متابعة سفر الشباب، ومحاولة الحد من الهجرة من خلال توفير فرص عمل، فإن لم تتوفر فرصة العمل، فمن خلال توفير البندقية، التي تعيد للشباب صحتهم، وصحوتهم، وأنهم رائحة التراب الذي يأبى الهجرة والرحيل.