فلسطين أون لاين

تقرير قرية المغير.. أرض الأجداد تواجه نكبة جديدة

...
قرية المغيّر- أرشيف
رام الله-غزة/ أدهم الشريف:

اعتاد أيمن أبو عليا على مرافقة مواشيه التي تقدر أعدادها بالمئات في رحلة البحث عن الغذاء، في أراضي خربة "جبعيت" التابعة لقرية المغير إلى الشرق من محافظة رام الله والبيرة بالضفة الغربية.

لكن هذا الرجل البالغ (45 عامًا) يبدو حذرًا بدرجة كبيرة وهو يرعى الأغنام قرب الأراضي التي هيمن عليها وصادرها الاحتلال الإسرائيلي.

يجلس أبو عليا هناك يتأمل بحسرةٍ الأراضي مترامية الأطراف والمليئة بالسهول الخضراء، والتي لم يعد بإمكانه الوصول إليها، وهي في تعداد آلاف الدونمات.

وأبو عليا من سكان قرية المغير التي تتعرض باستمرار لانتهاكات ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون أيضًا.

وارتكب جيش الاحتلال جرائم قتل طالت عددًا من سكان القرية؛ تمامًا كما حصل مع أبو عليا الذي استشهد نجله علي (13 عامًا) يوم 5 أبريل/ نيسان 2020، في قمع مسيرة خرجت احتجاجًا على بناء بؤرة استيطانية على أراضٍ قرب القرية.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يغلق مدخَلي قرية المغير لليوم 16 على التوالي

كما أن أبو عليا يفتقد ابنه بسام (20 عامًا) الذي يقضي حكمًا بالسجن عامًا في سجن "عوفر" الإسرائيلي.

وقال لـ"فلسطين": إن الاحتلال لم يكتفِ بحرماني من اثنين من أبنائي، أحدهما شهيد والآخر أسير، فهو يلاحقنا في لقمة عيشنا، ويضيق علينا، ويوفر الحماية الكاملة للمستوطنين في أثناء بناء البؤر الاستيطانية.

وبحسب إفادته، فإن قوات الاحتلال كانت قد أعلنت مساحات شاسعة من الأراضي المحيطة بقرية المغير مناطق عسكرية مغلقة، وأخرى أحاطتها بالسياج الأمني منعًا لمرور أي مواطن فلسطيني إليها.

غير أن أبو عليا فضلاً عن أنه يبدي تمسكه الشديد بأرض أجداده المصادرة، يحرص على النزول إليها يوميًا لرعي الأغنام والمكوث في الأماكن التي يقدر على الوصول إليها أطول فترة ممكنة إلى جانب رعاة ومزارعين آخرين.

وأضاف: إنه لا يملك أي مصدر دخل آخر سوى رعي الأغنام وتجارة المواشي.

لكن جنود الاحتلال والمستوطنين لا يتركونه والرعاة والمزارعين الآخرين يعملون في الزراعة ورعي المواشي، وعادة ما تهدم الخيام المستخدمة في أغراض الزراعة والرعي في خربة "جبعيت" وتصادر محتوياتها أيضًا.

نكبة جديدة

وكان فضل أبو عليا ضحية جريمة إسرائيلية أفقدته الخيام التي أنشأها ويستخدمها للجلوس هناك خلال ممارسة الزراعة وتربية المواشي، إذ يعتمد عليهما لتحصيل قوت عائلته في قرية المغير.

وقال لـ"فلسطين": إننا نواجه نكبة جديدة، يصادر الاحتلال أراضينا ويتيح لليهود الاستيطان فيها.

وأضاف، أن جنود الاحتلال يمارسون مضايقات عديدة ضد العاملين في الزراعة ورعي المواشي، وينطلقون لتنفيذ انتهاكاتهم من معسكر للجيش في خربة "جبعيت".

وقرب المعسكر يقيم المستوطنون بؤرة استيطانية تحظى بحماية أمنية مشددة يوفرها جيش الاحتلال على حساب الرعاة والمزارعين الفلسطينيين المتواجدين في المنطقة، منذ عشرات السنين، تفوق الـ50 عامًا؛ بهدف تهجيرهم وجعلها مرتعًا للمستوطنين.

وتمتد الانتهاكات والجرائم لتصل قرية المغير، ويرافقها قمع عنيف يستهدف مدنيين بينهم أطفال.

وقتلت قوات الاحتلال 5 أطفال في قرية المغير على الأقل من بينهم مناضل أبو عليا (13 عامًا)، وصقر النعسان (15 عامًا)، واستشهدا في انتفاضة الحجارة عام 1978، على ما أفاد به رئيس مجلس قروي قرية المغير أمين أبو عليا.

وأشار لـ"فلسطين" أيضًا إلى أن جنود الاحتلال أعدموا الطفل ليث أبو نعيم (15 عامًا) في 2018، وعلي أبو عليا في 2020، في حين قتل مستوطنون الطفل أمجد أبو عليا (16 عامًا) وحيد والديه عام 2022.

ويضاف هؤلاء الأطفال إلى 6 شبان من القرية استشهدوا بنيران جيش الاحتلال، بحسب أبو عليا.

وبين أن قرية المغير ذات أهمية إستراتيجية كبيرة، هذا لأنها القرية الأخيرة قضاء رام الله من جهة الشرق، ويحدها شارع استيطاني يفصلها عن منطقة الأغوار المهددة بما يسمى "مخطط الضم". 

وصنف اتفاق (أوسلو) قرابة 1,934 دونمًا بنسبة 5.9٪ من إجمالي مساحة قرية المغير على أنها منطقة (ب)، إذ للسلطة سيطرة على الشؤون المدنية دون الشؤون الأمنية التي تستخدمها (إسرائيل) لفرض المزيد من سيطرتها وهيمنتها على هذه المناطق.

وكذلك صنف الاتفاق الموقع في 1993 المساحة المتبقية من القرية، وتشكل ما يقرب من 31,121 دونمًا بنسبة 94.1٪ من إجمالي مساحة القرية على أنها المنطقة (ج)، إذ تحتفظ (إسرائيل) بالسيطرة الكاملة على الشؤون المدنية والأمنية، وتمنع إدارة المباني والأراضي الفلسطينية، إلا بموافقة وتفويض من جيش الاحتلال.

واستغل الاحتلال ذلك لمصادرة غالبية أراضي القرية البالغ تعداد سكانها قرابة 4 آلاف مواطن، لصالح مستوطنات الاحتلال والقواعد العسكرية ومشاريع استيطانية يروج لها على أن "محميات طبيعية".

من ناحيته قال الخبير المختص في شؤون الاستيطان محمد مطر: إن قرية المغير تحظى بأهمية كبيرة؛ نظرًا لأن أراضيها المترامية تربط بين رام الله والأغوار، ويحدها من جهة الشرق شارع "آلون" الذي عبّده الاحتلال.

وبين مطر لـ"فلسطين" أنه لم يبقَ شيء شرق هذا الشارع الاستيطاني تحت سيطرة الفلسطينيين، ولا يوجد هناك سوى خربة "غبريت" وتجمع بدو الجهالين، ويلاحقهما الاحتلال باستمرار، ويرتكب المستوطنون الجرائم ضدهم؛ من أجل إكمال مصادرة الأراضي وجعلها جزءًا من مخطط الضم.

وتشمل سلسلة انتهاكات -والقول لـمطر- العدوان على الرعاة والمزارعين، وسرقة الأغنام، ومصادرة معداتهم ومركباتهم، وأي شيء يستخدمونه في عملهم الرعوي والزراعي.

وأضاف: "نتيجة السياسات الإسرائيلية لم يبقَ سوى تجمعيْن شرق قرية المغير، وهما مستهدفان بشكل مباشر ومكثف من جنود الاحتلال والمستوطنين معًا".

ويحرص أهالي قرية المغير على تنظيم فعاليات مقاومة مستمرة ضد سياسات الاحتلال، وعادة يلجأ جنود الجيش إلى قمع المشاركين بعنف شديد يؤدي إلى قتل وإصابة مواطنين، ويقابل ذلك إصرار من الأهالي على المشاركة، وفق مطر.

ونبَّه على أن (إسرائيل) تنفذ مخطط ضم الضفة الغربية دون توقف، ويرافق ذلك إقامة بؤر استيطانية جديدة وهدم بيوت وخيام ومنشآت فلسطينية؛ بهدف تهجير أصحابها إلى مناطق بعيدة.