المسافة التي يقطعها التاجر المقدسي جون سمير من بيته في الحي المسيحي إلى متجره في شارع "ديفيد فلوسر" بالقرب من باب الخليل في البلدة القديمة، التي تستغرق دقائق معدودة، تتحول إلى ساعات طويلة خلال أيام الأعياد اليهودية التي تمتد 22 يومًا في شهري سبتمبر وأكتوبر كل عام.
ففي كثير من تلك الأيام لا يتمكن التاجر سمير من الوصول إلى السوق وفتح متجره، بسبب الحواجز التي ينشرها الاحتلال الإسرائيلي في طرقات وشوارع القدس القديمة، التي يتخذها المستوطنون ممرًا يوصلهم إلى المسجد الأقصى لاقتحامه.
يقول سمير لـ"فلسطين": "يتعمد الاحتلال شل الحركة التجارية في البلدة القديمة، فترتفع أسعار الفنادق في هذه الأيام، وتمتلئ باليهود، إذ تعتمد معظم محال القدس على السياح ومشترياتهم".
ويبين أن الحاجز الذي ينصبه الاحتلال على المدخل الرئيس لشارع "ديفيد فلوسر" يسهل وصول المستوطنين والمقتحمين للمسجد الأقصى بالقرب من باب الخليل.
اقرأ أيضا: تحذيرات مقدسية من عسكرة الاحتلال للمنطقة القريبة من المسجد الأقصى
ويمتد موسم الأعياد اليهودية الأطول على مدى 22 يوماً بين 16 سبتمبر/ أيلول الجاري إلى 7 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام. ويبدأ هذا الموسم بيومي رأس السنة العبرية السبت والأحد 16 و17 سبتمبر، متبوعاً بأيام ما يسمى "التوبة العشر" التي تتكثف الاقتحامات فيها للمسجد الأقصى أيضاً.
ويلي ذلك ما يسمى "عيد الغفران" العبري في 25 سبتمبر وهو اليوم الأهم والأكثر قداسةً توراتياً.
ثم بعده بأسبوع يأتي ما يسمى عيد العرش التوراتي الممتد ثمانية أيام من السبت 30 سبتمبر إلى السبت 7 أكتوبر، وهو أحد أعياد الحج التوراتية الثلاثة التي ترتبط بالهيكل المزعوم، وهو ما توظفه جماعات الهيكل المتطرفة لفرض كل طقوسه داخل المسجد الأقصى.
طابع يهودي
أما المقدسي أحمد الدجاني فيبين أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد إظهار الطابع اليهودي على مناحي الحياة جميعها في المدينة المقدسة، ليس فقط في أيام الأعياد، بل في العطل الأسبوعية يومي الجمعة والسبت، حيث تتوقف حركة جميع المواصلات.
ويوضح الدجاني لـ"فلسطين" أن الاحتلال يغلق الطرقات في جميع أحياء القدس طوال أيام الأعياد اليهودية، ويضطر إلى تأجيل قضاء حوائجه، وفي كثير من الأحيان لا يتمكن من التوجه لعمله فيها.
ويشير إلى أن الأعياد اليهودية تمر ثقيلة على المقدسيين، إذ تزيد فيها الاقتحامات للمسجد الأقصى، وتزدحم البلدة القديمة بأعداد كبيرة من المستوطنين الذين يمارسون استفزازات تجاه المقدسيين، ويمنعون دخول المصلين للأقصى في ساعات معينة من اليوم.
وينبه الدجاني إلى أن سلطات الاحتلال تقوم بخطوات استباقية قبيل بدء الأعياد حيث تستدعي العديد من المقدسيين وتهددهم، وتبعد بعضهم عن المدينة، كما يُسجن بعضهم على ذمة التحقيق دون توجيه تهمة لهم حتى انقضاء أيام الأعياد.
تنكيل وقمع
من جهته يبين الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات أن المقدسيين يعيشون كابوسا حقيقيا في هذه الأعياد، وبالتحديد فيما يسمى يوم الغفران، حيث تبدأ قوات الاحتلال بوضع المكعبات الإسمنتية من عصر اليوم السابق على مداخل الأحياء العربية في مدينة القدس، وتحولها إلى ثكنة عسكرية بدفع المئات من عناصرها للتحكم في مداخل ومخارج تلك البلدات، ونشرهم في شوارع البلدة القديمة وشوارعها وأزقتها، وكذلك في القرى والبلدات المقدسية.
ويوضح عبيدات لـ"فلسطين" أن الأمر لا يقتصر على التنكيل بالمقدسيين، وقمعهم والتضييق عليهم، ومنعهم من الحركة والتجول، بل يمتد ليطال إحداث حالة من الشلل في حياة المقدسيين بشكل شبه كلي، من حيث تقييد حركة المواصلات، وتعطيل العملية التعليمية.
ويقول: "والأخطر من ذلك شل الحركتين التجارية والاقتصادية في القدس، في شوارعها الرئيسة وفي البلدة القديمة على وجه الخصوص، فالمحتل يريد أن يقول إن القدس مدينة موحدة، وإنه صاحب السيادة عليها، وعليه إخضاعنا وتطويعنا وبرمجة حياتنا وفق أعياده ومناسباته".
ويتابع: "وفي يوم الغفران سيل هائل من الجماعات التلمودية، والتوراتية يستبيحون حرمة وقدسية البلدة القديمة، يمارسون كل أشكال العربدة والاستفزاز بحق المواطنين والتجار المقدسيين، وبعض الأسواق تغلق".
ويضيف عبيدات: "الكثير من المحال التجارية يضطر أصحابها إلى إغلاقها بعد إجبارهم من جنود الاحتلال، وخاصة الأماكن التي ستمر منها مسيرات المستوطنين، والقسم الآخر يتعرض للاستفزاز وفرض الغرامات من الجنود المنتشرين في كل زقاق وشارع بذريعة حماية المستوطنين وتسهيل احتفالاتهم".
ويشير إلى أن البلدة القديمة في تلك الأيام تكون شبه فارغة، وتتحول إلى مدينة أشباح، وليس هذا فقط، فالمقدسيون المقيمون بالقرب من تلك البؤر الاستيطانية يمنعون من الوصول إلى أماكن سكنهم، كأحياء القرمي، والواد، وباب السلسلة، وغيرها.
ويدعو عبيدات تجار القدس وبلدتها القديمة للصمود؛ من أجل عدم تفريغ المدينة أو تركها لقمة سائغة للجمعيات التلمودية والتوراتية التي تهدف إلى السيطرة على أكبر عدد من العقارات والممتلكات والمتاجر في البلدة القديمة وفي محيطها، فيما يسمى "الحوض المقدس".