فلسطين أون لاين

سرايا الحكومة العثمانية في نابلس.. بناء تاريخي مُهمل

...
سرايا الحكومة العثمانية في نابلس.. بناء تاريخي مُهمل
نابلس-غزة/ هدى الدلو:

تزخر مدينة نابلس بكنوز تاريخية تعكس عراقتها ومرور العصور على ترابها، وتبرز "سرايا الحكومة العثمانية" في حارة القريون مقابل جامع النصر، من بين هذه الكنوز.

وهذه السرايا بناء ضخم يعود تاريخ بنائه إلى القرن العاشر الهجري/ السادس عشر ميلادي، ويتألف من طابقين وأكثر من جناح معماري، وكانت فيها دوائر الحكومة العثمانية، وشهدت تشكّل الحياة السياسية والدينية والاجتماعية.

التكوين المعماري

وكلمة "سرايا" تركية فارسية الأصل تعني "القصر"، كما يبين خبير الآثار عبد الله كلبونة، مشيرًا إلى أن استخدامها شاع في بلاد الشام والعراق ليس على البناء فقط بل على المنطقة المحيطة به.

ويوضح لصحيفة "فلسطين"، أن سرايا الحكومة العثمانية تقع جنوبي باب الساحة وهي جزء منه وسط البلدة القديمة، ويحدها من كل الاتجاهات مجموعة من الأبنية السكنية، إلى جانب حمام مملوكي في الجهة الشرقية.

ويلفت كلبونة إلى أن باب الساحة يعد أحد أهم نماذج التعاقب الديني ما بين الديانات للمكان نفسه؛ فمسجد "النصر" كان معبدًا وثنيًا، ثم صار كنيسة رومانية، ثم مسجدًا إسلاميًا، وبعدها تحوّل لكنيسة صليبية، ثم أعاده صلاح الدين الأيوبي إلى مسجد. وبعد أن هُدم بسبب زلزال عام 1927، أقام المجلس الإسلامي الأعلى مسجدًا فوق المسجد القديم، وأعاد بناءه على الطراز التركيّ العثماني.

أمّا عن المكانة السياسية والإدارية، فيذكر كلبونة أن سرايا الحكومة التركية العثمانية كان كالفضاء العمومي للمدينة، إذ احتوى على 14 دائرة حكوميّة، إضافة إلى مسكن الوالي الذي يطل على "باب الساحة".

ويبين أن طابقي السرايا يتكونان من كتلتين معماريتين تتراجع واحدة عن الأخرى، الأولى جنوبية غربية وتتقدمها قنطرة ويقع أسفل منها طريق عام للمارة يطل على أحد السجون، وغرف الجند، وإسطبل للخيول. أما الكتلة الثانية فهي شمالية شرقية ويوجد في أعلاها سكن للوالي يصعد إليها بدرج طويل يطل على باب الساحة.

إهمال واستخدامات متعددة

من جانبه، يبين خبير الآثار عبد الرحيم عواد، أن بناء سرايا الحكم العثماني أقيم بنفس مواصفات الأبنية العثمانية والتي تشبه القصور التاريخية في ذلك العصر، إذ بُنيت من الحجارة والطين والعقود والسقوف المتصالبة.

ويلفت إلى عدم وجود تاريخ محدد للبناء لكنه يحمل مواصفات البناء العثماني في منتصف القرن الثامن عشر، "فتلك الفترة جسدت العبقرية المعمارية والتخطيط الحضري الذي اشتهرت بها الإمبراطورية العثمانية، وكانت السرايا تحمل في جدرانها آثارًا من تلك الحقبة الزمنية العريقة".

يقول عواد إنه بعد إسقاط الخلافة العثمانية وانسحاب قواتها من نابلس، تحولت سرايا الحكومة إلى استخدامات مختلفة، فأُهملت بمرور الزمن وتحولت إلى دار للسكن ومعمل للحلويات بعد أن باعتها الأوقاف إلى عامة الناس، فتحول مكان الإسطبل إلى مطعم والسجن إلى مسرح، والطابق الثاني تحول إلى بيوت سكنية، مشيرًا إلى أن المكان يطلق عليه اسم "سرايا أبو عبيد" كونهم حاليًا هم أصحاب المبنى.

ويفيد عواد بأن البناء تعرض للتفجير أثناء الاجتياح الإسرائيلي لمدينة نابلس عام 2002 وتضررت واجهة السرايا الجنوبية وتدمر الجزء العلوي الشمالي منها، كما تدمرت الأسقف والواجهات وأعيد بناؤها.

ويمضي بالقول: "رغم ذلك، فإن البناء ما زال يحمل في أروقته بقايا تاريخية تروي حكاية مدينة نابلس والفترات التي مرت بها، كما أن هذا المعلم الأثري يعكس عراقة هذه المدينة وماضيها الذي امتد عبر العصور".